هناك كانت البدايات

00:44 صباحا
قراءة 4 دقائق

علي الأحمد

في مجرى التطور الإنساني على الإنسان ألا ينسى كيف كانت البدايات، والحديث هنا عن التطور في قطاع البنى التحتية، وتحديداً عن أحد الأركان الرئيسية لهذا القطاع الذي لا يكتمل من دونه، وهو بناء شبكة الاتصالات في دولة الإمارات.

من السهل قياس مدى جودة الاتصالات لأنها تلامس كل إنسان، وكل منهم يتحدث من واقع تجربة، والاتصالات اليوم لا تقل أهمية عن الماء والكهرباء.

أحد أهم المقاييس العالمية لجودة شبكات الاتصالات والمعتمد من الاتحاد الدولي للاتصالات هو ما يسمى «إف تي تي إتش»، وهو نسبة وصول كابل الألياف الضوئية إلى كل المنازل والمناطق المأهولة. ويذكر هذا التقرير أن دولة الإمارات ضمن أعلى 3 دول في العالم في نسبة وصول الألياف الضوئية إلى المنازل، بنسبة تجاوزت 97%.

قد يسأل بعضهم: ماذا حصّلنا نحن من الضوئي؟ وما المنفعة التي وصلت إلى الناس؟

وصل إلى الناس الكثير، لأن كابل الألياف الضوئية المدفون تحت بيتك هو بوابتك إلى العالم الخارجي، كل تواصلك عبر الهاتف والتلفزيون والإنترنت يمر عبر الكابل الضوئي، وساكنو بيتك يشعرون مباشرة ويشتكون إذا حصل خلل في أداء شبكة الاتصالات من حولهم. وإذا توقف تواصلك تصبح معزولاً عن كل ما حولك.

هذا الكابل الضوئي هو حبل الوصل، هو الشريان الذي يربطك بشبكة الاتصالات المسؤولة عن نقل وتسلم البيانات والاتصالات بسرعات فائقة، تلك مسؤولية جسيمة، فمتى تأخر إرسال فيديو أو فتح صفحة أو البحث في العالم الافتراضي يثور الناس ويغضبون. لا مبالغة في ذلك ولكي تتأكد اسأل محبي الرياضة ما شعورهم عندما يحدث خلل في النقل أو يتقطع وصول الصورة أثناء مشاهدة نهائي كأس الأمم الأوروبية على سبيل المثال؟ قد يتحول الغضب إلى هستيريا في لحظات إن لم يتحسن البث.

والسؤال: متى بدأ بناء شبكة الاتصالات في الإمارات؟ ومن قرر ذلك؟

تأسست شركة اتصالات عام 1976، مؤسسة الإمارات للاتصالات آنذاك، بموجب قانون اتحادي لتطوير قطاع الاتصالات بصورة حصرية، واحتكرت شركة اتصالات هذا القطاع بالكامل لمدة 30 سنة، وهي مالك ومشغل لشبكة الاتصالات في كل أنحاء الدولة، وهي الموزع الحصري لجميع أجهزة الاتصالات.

ولكن الاحتكار لم يعن يوماً الحرمان، فقد تمتع المواطن والمقيم في الإمارات خلال العقود الماضية بأحدث الخدمات والأجهزة، مثال على ذلك في عام 1982 قدمت اتصالات خدمة الهاتف المحمول، كان وزن بطارية الهاتف المثبت في السيارة 4 كلغ، أما حقيبة الهاتف فكانت تزن 11 كلغ، وكان الشباب آنذاك يتباهون بحمل حقيبة الجلد السوداء الثقيلة، ويحضرونها إلى المجالس فتراها إلى جوار أحدهم كأنها جزء من الوجاهة الاجتماعية، بل ويتمشى بها في الأسواق حتى لو خلعت كتفه.

لو أخبرت أبناءك، ذوي العشرين والثلاثين عاماً، عن الحقيبة ربما سيضحكون، ولكن لا تنس أن تقول لهم إن حقيبة الجلد السوداء تلك كانت أفضل تقنية وتكنولوجيا موجودة في ذلك الوقت.

بعد ذلك، عندما قاربت شبكة اتصالات الحديثة على الانتهاء في التسعينات، كانت تصلنا وفود من دول عربية وأجنبية، كان سؤالهم الأهم «لماذا تبنون شبكات اتصالات بهذه المواصفات وتضعون هذا الاستثمار الكبير؟ عدد سكانكم وحجم اقتصادكم لا يبرران ذلك!» كانت إجابتنا واحدة «نحن نبني للمستقبل».

قرار بناء شبكة اتصالات حديثة تلبي الاحتياجات المستقبلية نبع من رؤية القيادة السياسية للدولة، هذه الرؤية كانت البوصلة لإدارة اتصالات منذ التأسيس، وأثبت هذا النموذج نجاحه لأن شركات الاتصالات في الدولة أحد روافد الميزانية الاتحادية.

ووفقاً لهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، الجهة المنظمة لقطاع الاتصالات في الإمارات، يرخص ل «اتصالات» و«دو» بتقديم جميع خدمات الاتصالات في جميع أنحاء الدولة، مقابل ما يُسمى «حق الامتياز التجاري»، الذي طبق بداية على «اتصالات» بواقع 20% من أرباحها السنوية عام 1986 لترتفع النسبة تدريجياً إلى 30% عام 1991، وإلى 35% عام 1992، وإلى 40% عام 1993 وحتى يونيو/ حزيران 1998؛ حيث تمت زيادة النسبة إلى 50%.

ورئاسة مجلس إدارة اتصالات كما نص عليه قانون التأسيس تكون لوزير المواصلات، ويعد كل من محمد سعيد الملا، رحمه الله، وأحمد حميد الطاير، هما من وضعا اللبنات الأولى، وبعد السماح بالمنافسة في قطاع الاتصالات اختير محمد حسن عمران رئيساً لمجلس إدارة شركة اتصالات ليكمل مسيرة البناء.

ومتى ذُكر بناة شبكات الاتصالات وجب ذكر علي بن سالم العويس، المدير العام لاتصالات، (1982-2004)، بوسالم كما يناديه الجميع فهو رجل آمن بأن العمل عبادة، وكرّس كل طاقته وأكثر من 40 سنة من عمره حاملاً الأمانة متفانياً في عمله، ومن يعرف بوسالم ربما يصفه بالرجل الصارم، ولكن من سنحت لهم الفرصة وعملوا بالقرب منه وتتلمذوا على يده يقولون إنه صارم وعادل، رجل آمن بتطوير المواطن، حيث تجاوزت نسبة المواطنين حينها في المستويات الإدارية والهندسية العليا في اتصالات نسبة 90%.

لنخبر أبناءنا بأنه عندما وصلت الهواتف الأرضية «بوقرص» إلى بيوتنا القديمة لأول مرة كان بعض أهلنا في الأماكن النائية لم يروا هذا الجهاز من قبل، ومنهم من كان يتحسس الجهاز ويمسك بسلك الهاتف، ويسأل نفسه «كيف الرمسة تمشي في الواير؟!».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycx8ndpy

عن الكاتب

دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"