المطبّلون في معركة الفن

00:00 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

الفن موهبة، ذوق، إحساس، ومهنة لمن يشاء أن يتعلم ويغوص في هذا المجال، ويطوّر من موهبته كي تصير مصدراً للُقمة عيشه، ومن بعدها تتحقق له الشهرة. وكل من يدخل هذا المجال وعينه على ذيل الأولويات، أي الشهرة، ويرى في الفن مهنة تدرّ أموالاً، وتمطر عليه آلاف وملايين المعجبين، بينما الموهبة لديه إما معدومة، وإما دون المستوى المقبول، لا يستحق لقب فنان، ولا يمكن وضعه في خانة وقامة من شقوا طريق الفن في عالمنا العربي، وعاشوا نجوماً، ورحلوا ملوكاً، وما زالت سِيَرهم مكتوبة بالذهب، وبريق ما قدموه لم يبهت يوماً. 
خلاصة الجدل الطويل الذي حصل في الأيام الماضية حول قرار نقابة المهن الموسيقية في مصر منع 19 اسماً من المغنين الشعبيين من العمل، وسحب تصاريحهم للغناء، تُختصر بنقطة مهمة لفتنا إليها المحتجون على القرار، ومن تعمّدوا تحميل النقيب الفنان هاني شاكر مسؤولية «قطع أرزاق» هؤلاء المغنين، فهل الفن مجرد مهنة يسترزق منها أي شخص لمجرد أنه رأى في نفسه نجماً لا بد أن يلمع في سماء الفن، ويصفق له الجمهور، بغضّ النظر عن الموهبة، والصوت، والذوق، والإحساس، والرقيّ بالكلمة، والفن؟ 
عينهم على المهنة التي تدرّ شهرة، وأموالاً، وهدايا من أثرياء، وسيارات، وكل ما يبهر العين والجيب، أما ماذا يقدمون، وإلى أين ينحدرون بالفن وبأذواق الناس، فهذه أمور «ثانوية» لا تعنيهم من قريب، أو من بعيد. وإذا كان من حق كل منهم الحلم بالشهرة فهل من حق أي كان التدخل في قرارات النقابة لمجرد أنه يملك رأس المال، ويقيم المهرجانات، وينظم الحفلات؟ هل يحق لأي كان الإدلاء بدلوه وتشجيع الناس على التمرد على قرارات النقابة وشروط الانتساب إليها، أو شروط منحها التصاريح لمن يستحق الغناء؟
الفن ذوق، هذا لا يعني أنك تتذوق لوناً قد لا يتوافق مع ذوقي فقط، بل الأهم هو الذوق في الفن نفسه، والرقيّ في الكلمة؛ لا بأس إن كان اللحن فرحاً مبهجاً يدعوك إلى الرقص والفرح، وربما القفز، ولا بأس أن تختار من الكلمات البسيط منها، إنما الفرق كبير جداً بين البساطة من جهة، والسوقية والبذاءة والشتائم، من جهة ثانية. 
مصيبة وكارثة أن يفرض كل من رغب في الوصول إلى الشهرة واعتلاء المسرح نفسه على الناس، من دون أن يحق للجهة المعنية بالأمر اعتراض طريقه. هذه ليست لُقمة عيش، وليست مجرّد مهنة والسلام، الفن واجهة.. كلمة يردّدها الناس من بعدك.. هوية.. رسالة.. إنها مسؤولية لا يمكنك أن تتنصل منها لتقول «الجمهور عايز كده»، بعد أن تكون قد ساهمت في موجة الانحدار، ودفع الشباب إلى ترديد كلمات أغنياتك، والمشي على خطاك.
للأسف، المطبّلون خلف موجة الاعتراض على القرار لا يعنيهم ماذا يقول هذا المغنّي، ولا يعنيهم أن الأولوية هي للوقوف خلف المبدعين الحقيقيين والمبتكرين والمميزين ليكونوا خير قدوة للشباب، وخير من يمثل بلده أينما حلّ في العالم.

marlynsalloum@gmail.com

عن الكاتب:
كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩