إشكالية رواية أبوليوس

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

كتب «لوقيوس أبوليوس 125 ميلادية - 180 ميلادية» روايته «الحمار الذهبي» أو «الجحش الذهبي»، والتي تسمّى في بعض الترجمات «الجحش الوردي أو الزهري» قبل أكثر من 1800 عام، وهكذا، يكتب أحياناً عند التعريف بها بأنها أقدم أو أوّل رواية مكتملة في تاريخ البشرية.
أبوليوس جزائري أمازيغي، وسوف يتحمّس بعض كتّابنا من الأخوة الأمازيغ والعرب حدّ التعصّب حين يقول أحدهم إن رواية «الحمار أو الجحش الذهبي» رواية عربية، وبعض المتحمّسين يصف الرواية بأنها أوّل رواية جزائرية أو أوّل رواية أمازيغية، وكل هذه الأولويات، كما نرى، منسوبة إلى هوية «أبوليوس» إما الهوية الجغرافية حيث وُلدِ، وإما الهوية القومية أو العرقية، وفي هذه الحالة يتجاهل المتحمّسون تماماً اللغة التي كُتبت بها الرواية، فالحمار الذهبي لم تُكتب لا بالعربية ولا بالأمازيغية ولا بالدارجة الجزائرية، بل، كتبت باللغة اللاّتينية «في إحدى الترجمات نقلها عن اللاّتينية مباشرة في عام 2018 المترجم التونسي عمّار الجلاصي مواليد 1951»، والسؤال هنا، هل ننسب الأدب عموماً رواية أو شعراً إلى جنسية أو هوية المؤلف، أم ننسبه إلى اللغة التي كتب بها؟؟» وعلى سبيل المثال، هل «الحمار أو الجحش الذهبي» رواية أمازيغية لأن مؤلفها أمازيغي، أم أنها رواية لاتينية لأنها مكتوبة باللغة اللاّتينية؟؟
هل روايات ميلان كونديرا التي كتبها بالفرنسية بعد خروجه من بلاده تشيكوسلوفاكيا هي روايات فرنسية استناداً إلى اللغة التي كُتبت بها؟ أم إنها روايات تشيكية استناداً إلى الجنسية الأصلية لكونديرا، وهي الجنسية التشيكية؟
كتب أمين معلوف بعض رواياته بالفرنسية هو العربي اللبناني الأصيل، فهل هي روايات عربية بالرجوع إلى هوية وأصل المؤلف؟ أم هي روايات فرنسية بالرجوع إلى هوية وأصل اللغة التي كتبت بها هذه الروايات.
كل روايات وقصص إبراهيم الكوني، الطوارقي الأصل، مكتوبة بالعربية وليست بأي لغة أو أي خط آخر غير الخط العربي، ومع ذلك، هل من حق طوارقي صحراوي ليبي أن يكثف هذا التراث الروائي الكوني كلّه في هوية طوارقية صحراوية معزولة تماماً عن لغة روايات المؤلف.. اللغة العربية؟
الأمثلة كثيرة على ثنائية اللغة والحرف اللذين يكتب بهما الشعر أو تكتب بهما الرواية، والطريق الآخر من هذه الثنائية هو المؤلف نفسه، مسقط رأسه، جغرافيته، عرقه، قوميته، وربما حتى انتماؤه الطائفي والمذهبي.. ومن الأمثلة، أيضاً، سليم بركات، الكردي السوري أو الكردي فقط، بالاستناد إلى رواياته بشكل خاص، فإن دم وروح وجلد وعظام رواياته هي كتلة كردية، وفقط اللغة المكتوبة بها هذه الكتلة».. هي العربية، فهل روايات وقصص وشعر سليم بركات تراب أدبي كردي، أم أنه تراث أدبي عربي؟؟ إذا عدنا إلى المربع الأول وهو مربع «لوقيوس أبوليوس» الذي يصرّ فيه بعض الكتّاب الأمازيغ على أن «الحمار الذهبي» رواية أمازيغية.
ربما كانت الإجابة عن تساؤلات من هذا النوع ذات طابع وسطي إن أمكن القول، ويرجع هذا الطابع إلى روح العمل الأدبي نفسه، فإذا كانت روح الرواية من روح مؤلفها فهي منسوبة إليه، أما إذا كانت الرواية من روح لغتها فهي منسوبة إلى اللغة، وليست إلى القومية أو الجغرافية أو الجنسية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"