الخمسون الثقافية في الإمارات (1)

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

على مدى أربع حلقات أكتب عن متابعة ومعايشة ومشاركة حول الحياة الثقافية في الإمارات، والظواهر المرئية والمقروءة في هذه الحياة المفتوحة على التراث والمعاصَرة والحداثة والأصالة في الوقت نفسه، منذ قيام الدولة وإلى اليوم، وفي قلب هذه الحياة الأدبية والفنية والإبداعية، هناك دائماً ما يشبه الثنائيات الثابتة في خريطة الثقافة في الإمارات، فالحداثة تتوازى فكراً وسلوكاً مع الأصالة والتراث، والانفتاح الثقافي على العالم يوازيه في الإمارات تأكيد يومي للثقافة الشعبية والميراث المادي والمعنوي الشعبي، ومفهوم أو مصطلح العالمية في الإمارات، يوازيه مفهوم المحلية والجذور والأصول، ومفهوم المجتمع التعددي (الكوزموبوليتي) التعايشي في الإمارات  بحكم استقبال وإقامة أكثر من مئتي جنسية من العالم  يوازيه مجتمع إماراتي محلي هو الأساس في هذه التركيبة، وهو المبتدأ والخبر الاجتماعي والثقافي والأخلاقي.
في خمسين عاماً، وبتراكم موضوعي وعلمي،  نشأت في الإمارات حياة ثقافية تعددية إنسانية، إبداعية في الدرجة الأولى منذ سبعينات القرن العشرين وإلى اليوم.
وُجِدَ القطاع الثقافي عبر هذه العقود الخمسة من خلال رؤية دولة وقيادة ومؤسسات جعلت من الثقافة أولوية ومقدمة حضارية لا بد منها، وفي الوقت نفسه لا بد من الحوار الثقافي والفكري مع ما يسمى «الآخر»، من دون خوف من هذا المصطلح،فكل ثقافات وحضارات العالم قامت أصلاً على تعاون وتشارك ثنائي: «الأنا»، و«الآخر»؛ «المحلية» و«العالمية»، «الهوية»، و«الكونية أو الإنسانية»؛ الذات التي هي النواة الأولى للمجتمعات والشعوب والكيانات الدولية، و«الحقيقة العالمية الإنسانية».
هذه المتقابلات أو هذه الثنائيات الفكرية، عرفتها وأدركتها وطبّقتها الإمارات منذ بداية «النصفية القرنية» على نشوء الدولة، ليس في الثقافة فقط؛ بل أيضاً في الثقافة الدبلوماسية  والمهنية ، وفي الاقتصاد وفي الفكر المجتمعي وفي الحياة بشكل عام.
الإمارات دولة معادلة وسطية، ودولة ثقافة إنسانية ؛ دولة تعايش وتسامح وتشارك مباشر مع العالم ومؤسساته الرسمية والمدنية والثقافية والبحثية والأكاديمية؛ أي أنها دولة الحضور الثقافي المحلي والإقليمي والدولي، حين يُنظر للثقافة بوصفها جسراً وحواراً وتلاقياً، أصله المحلية وفرعه البعيد.. العالمية.
طالت هذه المقدمة، ولكن لا بد منها، وبسرعة يمكن الربط، بين ظاهرة مرئية في الإمارات ونحن نتحدث عن الخمسين الثقافية وهي ظاهرة الترجمة، وكل كلام عن الترجمة يحمل في داخله بالضرورة، كلاماً عن مفهوم العالمية، ولولا الترجمة لما كان العالم على ما هو عليه اليوم من تفاهم ثقافي؛ وسياسي واقتصادي وحتى روحي.
الترجمة في الإمارات قطاع في حد ذاته. والشواهد كثيرة ولا تحتاج إلى شرح حتى الشرح للذين يعيشون خارج الإمارات، ويكفي مثالاً عملياً هنا، مشروع «كلمة» في أبوظبي الذي نقل إلى العربية حتى الآن نحو 1000 عنوان من ينابيع معرفية عالمية، والإمارات لم تترجم من لغات العالم إلى العربية فقط؛ بل نقلت الأدب الإماراتي إلى لغات حية كبرى: الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الهندية، الروسية، والقناة الترجمانية الإماراتية هنا كانت هيئة الشارقة للكتاب في الشارقة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"