عاش الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن في نجمة مصنوعة من اللغة، وهي لغته الشعرية الشعبية وحده. ولم يكن قبل هذه اللغة شاعر كان قد أخذ عنه صاحب (ما ينقش العصفور في تمرة العذق)، ولم يكن بعد هذه اللغة شاعر استطاع استنساخ الأمير الشاعر، وهو بذلك ظاهرة شعرية شعبية باللهجة العربية في شبه الجزيرة والخليج العربي، وجعل من قصيدة هذا اللسان اليومي أفقاً عربياً بالكامل، من شرقي الوطن العربي إلى مغربه، ليشكل وحدة فنية عربية رفيعة المستوى والقيمة والمعنى، تماماً، مثل الوحدة الوجدانية التي شكلتها فيروز، وأم كلثوم، وسيد درويش.
شعر بدر بن عبد المحسن وحده، ثم شعره بالموسيقى والغناء والإلقاء عرفه العرب من طنجة إلى بغداد، وفي حين كان الفنان العربي يبحث عن هويته والاعتراف به في القاهرة وبغداد ودمشق، رأى هذا الفنان أن كينونته الثقافية والشعبية تتحقق أيضاً باللهجة العربية السيدة في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي، غير أن هذه الامتيازية الإبداعية للفنان لا يمكن أن تتحقق إلّا بالشعر.. شعر القلب، شعر الحياة، شعر الإنسان في ذروات شوقه، وندمه، واعتذاراته، وغنائيته.. شعر بدر بن عبد المحسن.
ميزة صاحب (رسالة من بدوي) أنه جدّد القصيدة العربية الشعبية، وشحنها بخصوبة الفصحى العربية والوزن الشعري الذي ينظم هذه الفصحى من داخلها ومن خارجها في حالة بلاغية واحدة.
على سبيل المثال لا الحصر يقول الأمير الشاعر في إحدى قصائده: (أنا حبيبي بسمته تخجل الضيّ) وترجمتها إلى الفصحى «ابتسامة حبيبي يخجل منها الضوء» وهي صورة شعرية بالغة النقاء، كما هي شعر مصفّى كما يقولون في الأدبيات النقدية الفصحى.
من ناحية الوزن الشعري، تقوم العديد من نصوص بدر بن عبد المحسن على نظام عروضي خليلي لا كسر فيه: وعلى سبيل المثال يقول: «حبيبتي ردّي سلامي للهوى»، وهو شطر موزون على تفعيلات: مُتَفعِلُن، مستفعلن، مستفعلن، مثل قوله: (يا طفلةً تحت المطر) على تفعيلتي: مستفعلن، مستفعلن. والأمثلة عديدة.
مثلما جرى التجديد في القصيدة العمودية نحو قصيدة التفعيلة، جَدّد بدر بن عبد المحسن، جذرياً، في القصيدة الشعبية، وفي الكثير من الأحيان يتفوق شعره على اللحن الموسيقي للأغنية، بل يتفوق أحياناً الشعر، شعره، على صوت المغني.
قصيدة بدر بن عبد المحسن الشعبية العربية، هي قصيدة فصحى في الوقت نفسه، وكل قصيدة من شعره هي (نجمة).. نجمة مسافر، وما للمسافر سوى تلويحة حب ووداع.
