الرواية ابنة الحظ

21:57 مساء
قراءة 3 دقائق

يوسف أبو لوز

أمام سؤال من مثل:.. ما الذي يؤدي إلى ازدهار الشعر في حقبة زمنية معّينة، وازدهار الرواية في حقبة أخرى، يتوقف المرء أولاً عند ظاهرة الرواية، وتحديداً، الرواية العربية، وهي ظاهرة أدبية بالفعل بالنظر إلى التاريخ الحديث لهذا الجنس الأدبي السردي في لحظة نضجه الإبداعي والثقافي.

نحن هنا لا نعود إلى «رواية» زينب ١٩١٤، ولا نعود إلى العتبات الكتابية الأولى التي ظهرت كبدايات ساذجة في الرواية على يد زينب فواز ١٨٩٩، وخليل الخوري ١٨٣٦، وفرانسيس مرّاش ١٨٣٥، وسليم البستاني ١٨٤٦، وجورجي زيدان، وحتى روايات أحمد شوقي «الثلاث الساذجة» ولا نعود حتى إلى «قنديل أم هاشم» في العام ١٩٤٠، لا نعود إلى هذه المحاولات، هذه التجارب الإرهاصية الولادية الأولية عند الحديث على الذائقة الأدبية للرواية وكيف تتشكل وما هي عناصر هذه الذائقة؟ بل نقف عند نقطة محددة من نضج الرواية العربية، وتشكلها ظاهرة أدبية منافسة للشعر، وواسعة الانتشار، وقد تبلور ذلك مادياً ومعنوياً وعيانياً منذ ثمانينات القرن العشرين، لا بل ارتفع ازدهار ذائقة قراءة الرواية إلى مؤشرات عالية، فقط في العقود الثلاثة الأخيرة، وعند هذه النقطة بالذات فإن الرواية من حيث الذائقة الأدبية لا تنافس الشعر إلاّ «البارحة» إن صحّ المجاز أو صحّت الكناية، فالرواية ليست هي ابنة المدينة فقط، كما أطلق هذا الوصف الكاتب المجري جورج لوكاش ١٨٨٧ - ١٩٧١، بل هي تكاد تكون ابنة الصدفة الأدبية وليست الحاجة أو الضرورة الأدبية «قياساً بحضور وشخصية الشعر».

الرواية، قياساً للشعر، ولدت أمس، وهنا سنترك أو نستثني من هذا الحكم «الصارم» روايتين: الجحش الذهبي التي كتبت قبل نحو ١٨٠٠ عام، و«دون كيخوته» التي كتبت في نحو ١٦٠٥ ميلادية، أما قبل ذلك، وبعد هذه التواريخ المفصلية في آداب العالم، فإن الشعر هو وحده سيد الذوق الأدبي، وظل ازدهار الشعر، وفي مقابل ذلك تراجعه أو خفوته، مسألة نسبية، فقد يكون الشعر جامداً، جافاً، مادياً، بارداً في منطقة ما من العالم، ولنفترض أنها غرب العالم، ولكنه الشعر في الوقت نفسه لا يفقد بريقه في شرق العالم منذ هوميروس وإلى اليوم، وهكذا كان الشعر ولا يزال إلى اليوم الأسبق دائماً، والأبقى أو الأكثر بقاء في ذاكرة العالم الثقافية والفنية والجمالية. قد ينام أو يغفو هنا، ولكنه واسع العينين هناك، قد، يكون متعباً مرهقاً في الغرب، ولكنه في كامل عافيته الحكمية والفلسفية والصوفية في الشرق، أو العكس، فيما الرواية تتوسل عادة المدينة أو قارئ المدينة.

تزدهر الرواية، نعم تزدهر، ولكن ليس في شروط أو بيئات الشعر، الرواية تزدهر بالسينما مثلاً، وبخاصة ونحن الآن في الألفية الميلادية الثالثة.

يكتب الروائي وعينه على السينما، ولعلّ جزءاً من ازدهار نجيب محفوظ في الأربعينات والخمسينات من النصف الأول من القرن العشرين يعود إلى السينما المصرية، وتالياً ازدهرت الرواية المحفوظية من خلال التلفزيون، الفن الطفيلي الذي سُمّي بِ «الدراما التلفزيونية».

ما الذي أدّى أو يؤدي إلى ازدهار الرواية في حقبة زمنية مُعينة؟ الإجابة كانت السينما أولاً، ولكن، ثانياً اليوم، وعلى صعيد عربي بشكل خاص حملت الجوائز الأدبية ازدهاراً للرواية على طبق من فضة أو من ذهب.

ظهرت جائزة نوبل في العام ١٩٠١، ويكاد الروائيون يتساوون مع الشعراء في الحصول على هذا المجد العالمي المادي والمعنوي الوفير، وتالياً ثمة جوائز عالمية بالغة الأهمية الإعلامية والمعنوية ظهرت في أوروبا أو في الغرب عموماً، ثم جوائز الرواية العربية وقيمتها المادية التي تغري أي روائي بأن يكون من صف هؤلاء الفائزين، لا بل أغرت الرواية الشعراء، وجعلتهم يتحولون إلى روائيين.

الشعر خارج كل هذه المعطيات والمعادلات التي تنطبق على الرواية، ولا يمكن مقارنة ذائقة الشعر بذائقة الرواية، الأدب عموماً نشاط ذائقة واحدة يمكن أن تحيط بالشعر والرواية معاً، الرواية ظاهرة أدبية، والشعر تاريخ وذاكرة. فكر، وفلسفة، ورؤيا ورؤية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"