ازدواجية الرأي

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

(الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليست حرية تعبير؛ بل إهانة لحرية الأديان والمسلمين..). تحوّل هذا القول الذي جاء كتصريح رسمي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ساحة جدال في وسائل التواصل الاجتماعي، وكعادة المغردين، ولجوا إلى نوايا الرئيس وربطوها بسياساته تجاه أوكرانيا وباحتمال تزلّفه للعرب والمسلمين، خاصة أنه أتبعه بالتذكير باحتلال العراق من قبل جيش الولايات المتحدة الأمريكية والقوى المتحالفة معها بأعذار غير حقيقية مرتبطة بأسلحة الدمار الشامل.

ويبدو أن القول تصريح سياسي في قالب ديني مغلف بحق حرية الرأي، ويجب ألاّ نندهش من تداخل المحاور، خاصة أن بوتين رجل سياسي واستخباري في المقام الأول، لكننا هنا لن نخوض مع الخائضين والمغردين في نوايا الرئيس، ولن نتهمه في شيء مكتفين بالإشادة بتصريحه الذي لم يأت بجديد على الصعيد الفكري والاجتماعي والإنساني، فالتهجم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو أي نبي في الأديان السماوية الثلاثة ليس حرية رأي، وبالتالي، من المفترض أن يكون هذا الاستنتاج بديهياً لكل ذي عقل وازن ورجل حكيم، ولكل من يحترم أديان وثقافات ومقدسات ومعتقدات الشعوب، فهو يأتي ضمن قبول الآخر كي تسود المجتمعات قيم السلام والاستقرار.

لعلنا نعود إلى جذر الفكرة ونسأل: لماذا يقوم أحدهم بإهانة رمز ديني، إن كان شخصاً أو كتاباً مقدساً أو مكاناً يحظى باحترام ملايين من البشر؟ هل ليمارس حق التعبير مثلاً، مجرداً من أي دوافع عدوانية أو تطرفية أو عنصرية؟ وهي في هذه الحال ممارسة عبثية واستخدام خاطئ لحق من حقوق الإنسان، قد يؤدي إلى حروب بين الشعوب، وصراعات بين الدول. أم أن التهجم أو التندر أو السخرية من رمز ديني أمر مدروس ويأتي عن سابق إصرار ويستند إلى فكر خطِر؟ وفي هذه الحالة أيضاً إعلان للتشدد والتطرف وإنقاص من قيمة قدسية رمز، ويكشف عن عقلية خلفها مؤسسة أو تنظيم أو حزب، وهذا يرتقي إلى ممارسة الإرهاب جهاراً نهاراً، ويتطلب حشد القوى العالمية المحبة للديمقراطية والسلام لمحاربة الجهة التي تنبش الفتنة وتوقظها، وهذه الجهة لا تختلف كثيراً عن تنظيم مثل «داعش»، وبالتالي يجب محاربتها والقضاء عليها بتهمة الإرهاب.

إن ما يحدث في العالم يجسد الكيل بمكيالين، ففي الوقت الذي يكتشفون مسلماً أو مسلمة بأفكار راديكالية، تستنفر الجهات الأمنية رجالها وتبدأ بتتبع هذا الإنسان أو الإنسانة، بفرضية التخطيط لعمليات إرهابية. وحين يقوم رجل بحرق القرآن الكريم أو برسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأسلوب تهكمي، تتخذ المسألة طابعاً فردياً، ويربطها البعض في تلك المجتمعات بحرية الرأي والتعبير، والازدواج واضح هنا وينم عن تعمد واستهتار بمشاعر مئات الملايين من البشر.

هذا الازدواج مارسه الرئيس بوتين، ففي حين سكتت حكومته عن تشويه صورة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل رسامين وحاقدين، وسكتت أيضاً عن «عمليات مسح ثقافة مسلمي الإيجور في الصين»، يظهر في هذا الوقت الحرج، وبلا مناسبة، ليطلق تصريحه، واقفاً ضد استغلال حرية الرأي لتشويه الرموز الدينية، على الرغم من أن مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تلقت تقارير موثوقة عن احتجاز نحو مليون شخص من أقلية الإيجور في مراكز مكافحة التطرف، وفي الشأن ذاته، قال الدكتور أدريان زنز الذي أوكلت إليه «بي بي سي» مهمة القيام بتحقيق عن هذه المراكز بأنها تمثل «البيئة المثالية لمحو الثقافة الأصلية لهذا المجتمع»، وهذه الإشارة لا تقلل من شأن تصريح الرئيس الروسي.

للإرهاب وجه واحد في هذا العالم، ولا يجب تصنيفه إلى حرية رأي وممارسة فعلية، فالممارسة سبقها تكوين رأي متشدد، شأنها شأن أي عمل، ولهذا على مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مواصلة السعي لفضح الازدواجية في التفكير.. أو التكفير..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"