زمن الشعر الجاهلي

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

في كتابه «المكوّنات الأولى للثقافة العربية» وقف د. عز الدين إسماعيل عند نقطة مهمة قد لا يكون هو الأول والوحيد ممن وقفوا إزاءها، هي أن معرفتنا بالشعر الجاهلي بالصورة الناضجة التي وصلتنا لا تتخطى كثيراً القرن السابق للإسلام، ما يحمل على الاعتقاد أنه ما كان لهذا الشعر أن يبلغ ما بلغه بالصورة التي وصل بها إلينا بدون مسار تطوري طويل استغرق قروناً، أخذاً بعين الاعتبار الإيقاع البطيء للحياة في الجزيرة العربية يومها.
فترة عملي على إنجاز كتابي الجديد: «حداثة ظهرها إلى الجدار» استوقفتني حقيقة أن مؤرخي الأدب، وبينهم أحمد أمين، لم يعثروا من الشعر الجاهلي على ما هو أقدم من مئة وخمسين سنة قبل الإسلام، في حين رأى حسين مروّة أنه إذا كان صحيحاً القول بأن الأشكال المتطوّرة التي يبرز بها الشعر الجاهلي المعروف لدينا حتى الآن تنبئ عن تاريخٍ طويل مرّت به هو أبعد من الزّمن الذي يرجع إليه أقدم شعر جاهلي وصل إلينا، فإنه من الصحيح أيضاً القول بأن عدم وصول ما هو أقدم من ذلك يجعل معرفتنا بالفترة السابقة للإسلام محكومة، زمنياً، بقياس زمن هذا الشعر.
من الفرضيات التي رجحها عز الدين إسماعيل نقلاً عن علماء تاريخ الأدب هي أن الشعر العربي قد نشأ في جاهلية العرب الأولى، نتيجة لتطور المبارزات المسجوعة التي كانت تجري على الألسنة مجرى المثل، ولا يمكن النّظر إلى الشعر الجاهلي بمعزل عن اللغة التي كتب بها، اللغة الفصحى التي انتهت إلينا بلغة القرآن والحديث والشعر المأثور عن الجاهلية، وكلّ ما روي لنا من أشكال النّثر ذات الطّابع الفنيّ عن الجاهليين والمسلمين الأوّلين، فهي الشكل اللغوي الذي انصهرت وتوحدّت فيه لهجات عرب الشّمال وبعض لهجات عرب الجنوب، كما لاحظ ذلك حسين مروّة.
وحسين مروّة بالذات هو من دعا إلى ردّ ذلك إلى الظروف التاريخية التي جعلت مكّة من بين بقية المدن تتمتع بمكانتها الخاصة والفاعلة في مجالات النشاط التجاري والاقتصادي والاجتماعي والديني، وهي نفس الظروف التي جعلت من لهجة قريش قطباً جاذباً، تتلاقى عنده وتنفعل به سائر اللهجات العربية الشّمالية بالأخص. وبالنّسبة للنقطة الخاصة بلغة الشعر الجاهلي نراه يقول بأن أصحابه كانوا يستعملون لهجة قريش؛ لكونها لغة العرب الأدبية، ولحرصهم على شيوع شعرهم بين القبائل العربية جميعاً، وأن العرب، وإن اختلفت لهجاتهم، كانوا يؤلفون شعرهم ونثرهم بلهجة قريش؛ لأنها أفصح اللهجات، وهو ما جعل منها لاحقاً اللغة العربية السارية حتى اليوم بعد أن نزل القرآن الكريم بها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"