هل تتذكّر صحف المساء؟

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

أبناء جيلي، من هم في العقد الخامس أو السادس من أعمارهم، كانوا قرّاء صحف المساء التي كانت تصدر من المطابع بعد العصر بقليل وتوزّع في المساء مع غروب الشمس، وكانت تلك الصحف تشكل ظاهرة يومية مرئية للناس عند إشارات المرور الضوئية، حيث يبيع الفتيان عادة هذه الصحف، ويقفزون من رصيف إلى رصيف، وهم ينادون بالمانشيت بأعلى أصواتهم، وكان المانشيت الصحفي آنذاك سياسياً في الغالب: حرب حزيران، عبدالناصر، خط بارليف، وعناوين عديدة الغالب عليها طابع الاغتيال السياسي، والعنف، وخطف الطائرات، والكثير من المبالغات الثورية، التي ما قتلت ذبابة بحسب إحدى قصائد نزار قبّاني.
ليس المهم هنا في هذه الذاكرة الحنينية تلك الرغوة السياسية والأيديولوجية الكاذبة التي طبعت الكثير من يوميات تلك المرحلة، بل المهم هنا هو الجانب الشعري أو الإنساني أو حتى المهني في صحف المساء قبل ثلاثين أو أربعين عاماً، حين كان الواحد منّا لم ينبت شاربه بعد كما يقولون.
كان بعض أبناء ذلك الجيل باعة جرائد صباحية ومسائية، ومن هؤلاء الباعة من أصبح صحفياً في ما بعد، والكثير من الصحفيين الذين كانوا باعة جرائد على الإشارات الضوئية والأرصفة، يتذكرون اليوم أيّامهم تلك، ولعلَّها كانت من أجمل الأيام حين كانت الصحيفة تقرأ من الصفحة الأولى وحتى الأخيرة، ومن كان لا يحصل على جريدة في ذلك اليوم يبدو نهاره قلقاً مضطرباً.
لم يتقبل الناس، في البداية، فكرة أن يشتري القارئ صحيفة في المساء، وكان قارئ الصحيفة الصباحية يعتبر جريدته منتهية تماماً من القراءة ومن العلاقة الحميمية اليومية معها ما إن يصبح النهار في وقت الظهيرة أو ما بعدها بقليل.
بعد الظهر أو قريباً من العصر لا حاجة نفسية ولا قرائية لجريدة الصباح، وهكذا، ظهرت جريدة المساء على غير العادة القرائية اليومية وبخاصة مع فنجان القهوة الصباحي، لكن، سرعان ما أصبحت صحف المساء حالة قرائية فريدة، وجميلة في الوقت نفسه، لا بل كانت صحف المساء تحمل أخباراً سبقية كثيرة، وبذلك تحرق أي سبق صحفي لجرائد الصباح.
ينتهي المحررون من صناعة الجريدة الصباحية عادة عند الثانية عشرة أو الواحدة ليلاً، وإذا كان ثمة من أخبار منتظرة، تسمّى اليوم الأخبار العاجلة، فإن رئيس التحرير يسمح بتأخير ذهاب الجريدة إلى المطبعة حتى الثانية ليلاً.
تلتقط صحف المساء الأخبار الواردة من الوكالات أو من المراسلين من الثالثة صباحاً، وحتى الثالثة عصراً، وهو الوقت الاستثنائي الخاص تماماً مهنياً لصحيفة المساء، في حين أن هذا الوقت من الثالثة صباحاً، وحتى الظهيرة من اليوم التالي هو وقت ميت صحفياً بالنسبة لصناعة جريدة الصباح.
وقتٌ كان جميلاً، على الرغم أنه كان وقت القلم والحبر والورق والهاتف الأرضي، والفاكس.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"