عرب في البرازيل

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

ليس رضوان مراد وجميل بشارة تركيين، بل إنهما عربيان. الأول من سوريا والثاني من لبنان، أحدهما مسيحي ماروني والآخر مسلم، ولكنهما حين أتيا إلى البرازيل، مهاجرين من بلاد الشام إليها، في بداية القرن العشرين، صارا يعرفان بالتركيين، شأنهما في ذلك شأن الشوام الذين قصدوا البرازيل لا للسياحة، وإنما للعيش فيها، وإلى الأبد، ومردّ وصفهما بالتركيين آت من كون بلاد الشام عامة واقعة، يومها، تحت سيطرة الدولة العثمانية.
في روايته «نساء البن» التي يمكن وصفها ب«النوفيلا»، لصغر حجمها، وترجمها إلى العربية مالك سلمان، اختار المبدع البرازيلي الكبير جورج أمادو أن يحكي لا قصة الرجلين، رضوان وجميل، فحسب، وإنما يتناول حكاية الهجرة العربية، الشامية تحديداً، إلى أمريكا الجنوبية،  وهو لا يفعل ذلك لغايات روائية فحسب، وإنما ليصحح السردية الأوروبية المتداولة عن توقيت هذه الهجرة، وعن الأثر الذي تركته في تكوين النسيج الوطني للبرازيل لاحقاً.
حرص أمادو على أن يقول ذلك في مطلع «نساء البن»، وإليكم ما أفاد به: «إذا صدقنا المؤرخين الإيبيريين ، سواء كانوا إسباناً أوبرتغاليين اكتشف الأتراك «الأمريكيات الثلاث»، وهم ليسوا أتراكاً على الإطلاق، بل عرباً من أصول نبيلة، بعد تأجيل طويل وفي وقت حديث نسبياً أثناء القرن التاسع عشر وليس قبل ذلك».
لا يوافق أمادو على هذه السردية ويؤكد أن المؤرخين القائلين بهذا لا يتمتعون بالمصداقية ، لأن ما كان يهمهم هو الإطناب على أفعال الإسبان والبرتغاليين، من أمثال كولمبوس وفاسكو داجاما وفرديناند ماجلان، وكأننا بأمادو بهذا القول يتساءل: لماذا جرى تجاهل «الاستكشاف» العربي للقارة النائية، كون القادمين العرب أقاموا في مناطق غير مأهولة وهم من قاموا بتعميرها.
مثال بطلي الرواية رضوان وجميل الشاميين، السوري واللبناني، يقول ذلك. فكون السفينة التي أقلتهما رست في «خليج القديسين» بعد 411 سنة من مجيء قوارب كولمبوس، لا ينفي عنهما صفة الاستكشاف لأن الأراضي التي تمركزا فيها كانت مغطاة بالغابات العذراء، حيث هيآ نفسيهما للزراعة وإقامة المنازل.
سيصحبنا أمادو في رحلة شائقة مع بطلي روايته، الآتيين من الشرق العربي إلى الأرض البعيدة، التي يطلق عليها الكاتب وصف «فردوس الكاكاو»، الذي قصده الرجلان، كما أسلاف لهما، بحثاً عن المتعة والثراء، وفي الوصف الجميل يقول أمادو: «كانا يضحكان ويثرثران ويرقصان البولكا والمازوركا. كان رضوان يردد قصائد الحب العربية، ومع أنه لا يتقن الفارسية، لكنه كان مأخوذاً برنين رباعيات عمر الخيام ولحنها». لكن الحكاية ليست هنا وإنما في المصائر التي كانت بانتظار الرجلين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"