حفيف خفيف على يمين الطاولة

00:04 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

«لا تُقصّف رسالتي يا صديق/‏ بل اقرأها حتى النهاية/ ‏لقد مللتُ أن أكونَ مجهولةً/ ‏غريبةً في طريقك».‏ قائلة هذه الأبيات هي الشاعرة الروسية الشهيرة آنا أخماتوفا (1889- 1966). من بوسعه أن يبدأ في قراءة أشعارها دون أن يبلغ النهاية لفرط ما فيها من عذوبة ورقة وشجن وتعابير معاناة.
آنا آخماتوفا لم يكن اسمها الحقيقي، وإنما اسم مستعار، اختارت أن تنشر به قصائدها ويعرفها الناس به، ذلك أن اسمها الكامل هو: آنا أندرييفنا غورنكو، ومع أن علاقتها بالسلطة السوفييتية لم تكن على ما يرام، لكنها باتت أهم الأسماء الشعرية في العهد السوفييتي منذ بدايته حتى وفاتها في ستينات القرن الماضي.
رغم موقفها المعارض رفضت آخماتوفا مغادرة بلادها، وآثرت العيش والموت فيه، وفي هذا كتبت قصيدتها القائلة في أبياتها: «وكان هُناكَ صوتٌ، دعاني مُهدئاً/ ‏قالَ: تعالي إلى هنا/ ‏دعي تلكَ البلاد الموحشة الخاطئة/ اهجري روسيا إلى الأبد‏/ أنا سأنظّفُ الدماءَ عن كفيّكِ‏/ وأخرجُ من قلبك العارَ الأسود/ ‏سأستُركِ باسمٍ جديد/ ‏وأنزعُ عنكِ ألمَ الهزيمة والحزن/ ‏ولكنني بهدوءٍ ولا مبالاة/ ‏غطّيتُ أذنيَّ بكفَّيَ‏/ كي لا يُدنِّسَ هذا الكلام الوضيع/ ‏روحيَ الكئيب».‏ كثيراً ما يعود اسم آخماتوفا إلى دائرة الاهتمام في المشهد الثقافي في روسيا وفي العالم، فمبدعة مثلها تظل حاضرة، اسماً وشعراً، وهذا ما حدث قبل أيام حين طرحت للبيع نسخة نادرة لديوانها الموسوم «المساء»، في طبعته الصادرة عام 1912، أي قبل قرن وعقد من الآن، في مزاد بروسيا مقابل مليوني روبل (27 ألف دولار).
وجاء في التقرير الذي نشرته الجهة المنظمة لهذا المزاد أن الصفحة الأولى لديوان آخماتوفا الخالي من غلاف مذيّلة باسم شاعرة روسية أخرى هي مارينا تسفيتايفا (1892  1941)، التي كتبت بخط يدها على تلك الصفحة اسمها والسنة التي اقتنت فيها نسخة الديوان، سنة 1916، لتعتبر هذه النسخة المطروحة للبيع تحفة أدبية نادرة جداً لم يمتلكها أي متحف في روسيا وخارجها. ويتضمن الديوان 90 صفحة، وفي الصفحة ال43 تعديل أدبي نُفّذ بيد آخماتوفا.
نعلم أن ترجمة الشعر من لغته الأصل إلى لغة أخرى تفقده الكثير من روحه، ولكن المترجم ثائر زين الدين بذل جهداً في إيصال بعض هذه الروح حين اختار نصوصاً لآخماتوفا ترجمها إلى العربية، كما يشي، مثلاً، هذا النص: «أتسمَعُ حفيفاً خفيفاً‏/ إلى اليمين من طاولتك؟‏/ لن تتمكّن من كتابة هذهِ الأسطر الباقية/ فقد أتيتُ إليك/ فلا تطردني/ ‏إلى حيث تتجمّد المياهُ الآسنة/‏ تحتَ قنطرةِ الجسر الخانقة».‏
madanbahrain@gmail.com

عن الكاتب:
كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".