غياب الانضباط الموسيقي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يكفي الحديث عن الانضباط الموسيقي بجملتين في عمود؟ أساساً، من أكبر مشكلات الموسيقى العربية عدم الانضباط. تنزل هموم الدنيا على المطرب إذا فوجئ بجمهور رصين، لا يصفر ولا يصفق من دون داع، وإذا دعا الحاضرين إلى التصفيق، ظلوا كأن على رؤوسهم الطير.
مرة أخرى ننقل المشهد إلى مسرح مختلف لنلمس الفارق. تصور قاعة ألبرت هول في لندن، استوى العازفون على مقاعدهم، أقبل المايسترو، حيّا الجمهور بانحناءة، ثم فجأة ساد الصمت، رفع يديه إيماء بالبدء، انتهت الحركة الأولى من السيمفونية، وإذا بالحاضرين، على الطريقة المألوفة في الحفلات العربية، التهبت الأيدي وانطلق التصفير والصيحات، مطالبة بإعادة الحركة الأولى. الأرجح هو أن يأمر المايسترو العازفين بمغادرة المسرح: نحن في المكان الخطأ.
هذا دليل قاطع على أن الموسيقى الجادة، لا مكان فيها لعدم الانضباط. هل يجرؤ عازف على الخروج عن النص ببضع نوتات في عمل سيمفوني؟ بالمناسبة المؤلف الموسيقي خاتشاتوريان فعل ذلك، في أعمال كونشرتو ألفها هو للبيانو والأوركسترا، وكان يجلس إلى الآلة ويخرج عن النص فيسبب للمايسترو والعازفين ارتباكاً. ماذا يفعل العازفون في الأثناء؟ وهل على قائد الفرقة أن يمتنع عن الحركة؟
كان تصوير المشهد ضرورياً، لكي يدرك الموسيقيون العرب أن موسيقانا لا يمكن أن تتطور وحالها هذه. يجب أن يقتنعوا بأن التطوير الممكن الوحيد هو ذلك الذي ينبني على قواعد أكاديمية جادة، بعد ذلك كل آفاق التجديد مفتوحة متاحة بلا حدود أو قيود. لماذا يحجم أو يتخوف الموسيقيون من اقتحام أبواب الموسيقى المستقلة عن الكلام؟ تربوياً هذا هو السبيل الوحيد لنشر التعليم الموسيقي. كلمات الأدوار والموشحات والأغاني الكلثومية وغيرها، مضحكة مبكية حين يؤديها أطفال، في حين لا يحدث شيء من هذه المشكلات والإشكاليات، لخمسين مليون طفل صيني يدرسون البيانو، فينشأون على أرقى مستويات الفن العالمي. أولئك هم الذين سيكونون في قمرة قيادة سفينة الموسيقى الجادة العارفة مستقبلاً. لا يحلمنّ العرب بغد موسيقي زاهر وعالمي، إذا لم تنشأ الأجيال الحاضرة والمقبلة على الموسيقى المستقلة الخالصة. لا تبحثوا عبثاً عن حلول أخرى.
لزوم ما يلزم: النتيجة التفاؤلية: لقد وصلت الموسيقى العربية إلى طريق مسدود، وهذا في حد ذاته يبعث على الأمل. اشتدي أزمة تنفرجي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"