قديم الكاتب وجديده

01:04 صباحا
قراءة دقيقتين

أول لقاء قرأته لمحمود درويش، وأرجح أنه كان أول لقاء معه مع دورية أو صحيفة عربية، وأجراه معه الناقد اللبناني الراحل محمد دكروب، ونشرته مجلة «الطريق» البيروتية التي كان دكروب أحد أبرز المسؤولين في تحريرها، ونشر ربما في عام 1969، وكان درويش، يومها، لما يزل يعيش في فلسطين قبل مغادرته إياها، والتقاه دكروب، في مهرجان للشبيبة العالمية أقيم في صوفيا عاصمة بلغاريا، هو وسميح القاسم وآخرين من شعراء فلسطين الذين عرفوا يومها بـ«شعراء المقاومة».
كانت غاية دكروب من ذلك الحوار المطول التعريف بالمنجز الشعري والأدبي الفلسطيني غير المعروفة كفاية لدى القارئ العربي، وعلى تجربة محمود درويش الشعرية، فكان من بين الأسئلة التي وجهها له سؤال عن دواوينه الشعرية التي كانت قد صدرت حتى تلك اللحظة، وكان عددها محدوداً، قياساً إلى العدد الكلي لما أصدره درويش من دواوين، لاحقاً، حتى وفاته. وفي تعداده لتلك الدواوين، يومها، بدأ درويش باسم مجموعته الشعرية الأولى، التي قال إنها تجربة أولى لا تستحق الوقوف أمامها، حتى أنه اكتفى بذكر الاسم فقط، ولعله كان «عاشق من فلسطين»، إن لم تخني الذاكرة، في إشارة إلى أنه تجاوزها، ولم يعد يرى فيها شيئاً فارقاً.
أردنا بهذا المدخل الوقوف عند علاقة الكاتب، حين تنضج تجربته وتتعمق وتغتني، ببداياته، التي لم يعد يراها مهمة، ويميل حتى إلى تجاهلها، وربما إسقاطها من قائمة نتاجاته، رغم أننا ندرك ما للبدايات، مهما بدت متواضعة، أهميتها، فهي نقطة الانطلاق الأولى، حتى لو كانت خطوات صاحب التجربة، يومها، متعثرة وغير واثقة.
حين استعرض الدكتور صلاح فضل، الكتاب النقدي المهم للناقد والمفكر الراحل محمود أمين العالم: «أربعون عاماً من النقد التطبيقي»، وقف عند تضمين العالم في هذا الكتاب مجموعة المقالات النقدية التي كتبها في الخمسينات، فرأى أن مجرد الإقدام على جمعها ونشرها بعد مضي عقود على كتابتها، بجوار الحصاد النقدي الأخير، يعد مغامرة خطيرة تدعو إلى الحذر، لأنه يتعين على قارئها أن ينظر إليها اليوم بأثر رجعي من منظور تاريخي، عله يحصل منها على أجوبة عن الأسئلة التي كانت مطروحة يومها، أو كما قال صلاح فضل: «لنشمّ منها عبق تلك المرحلة الخصبة المفعمة بالحماس والإحباط والرغبة في صناعة مشروع وطني وقومي عظيم».
ورغم ما أبداه فضل من ملاحظات على بعض تلك المقالات القديمة، فإنه رأى فيها، حتى في تلك الفترة المبكرة، صورة محمود أمين العالم كما كان دائماً: «رائياً، معلماً وحنوناً، ناقداً ومحللاً، يمكن أن تختلف معه، لكنك لا بد أن تشهد له بالصدق والاقتدار».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"