عادي

ليبيا.. وسراب الانتخابات

00:48 صباحا
قراءة 4 دقائق
جانب من لقاء وليامز مع ممثلي المؤسسات والجهات الفاعلة السياسية والأمنية في بنغازي
36521

د. محمد فراج أبو النور *

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أصبحت بالنسبة إلى الليبيين شيئاً أشبه بالسراب في الصحراء، كلما اقتربوا منه ابتعد. وابتعد معه تأسيس شرعية جديدة حقيقية تستند إلى إرادة الشعب، كما يتم التعبير عنها في صناديق الاقتراع، وتستطيع إعادة بناء وتوحيد الدولة على أساسي ديمقراطي.

كان الفشل في إجراء الانتخابات الرئاسية، في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إعلاناً عن فشل ذريع ل«خارطة الطريق» التي جرى إعدادها بقيادة الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز، (القائمة بأعمال المبعوث الأممي وقتها)، وتم على أساسها تشكيل حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، لفترة انتقالية كان مقرراً أن تنتهي بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وأن يتم خلال هذه الفترة الانتقالية توحيد القوات المسلحة في شرقي البلاد وغربيها، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، وحل الميليشيات الإرهابية والقبلية والمناطقية، ونزع سلاحها، وتوحيد وتغيير قيادات المؤسسات السيادية الأكثر أهمية كالمصرف المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، وهيئات الرقابة المالية، والنيابة العامة.. وهو ما لم يحدث، وأدى في النهاية إلى الفشل في إجراء الانتخابات، حتى من دون الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، الذين كان أهمهم محل جدل شديد.

التدخلات الخارجية وفوضى الميليشيات

والحقيقة أن التخبطات القانونية والدستورية لم تكن غير انعكاس لأسباب أهم بكثير لا بد من مواجهتها إذا كانت هناك إرادة جدية لإجراء الانتخابات، وأبرز هذه الأسباب هو التدخلات الخارجية الدولية والإقليمية في الشأن الليبي، وانعكاسها على الأوضاع الداخلية في البلاد، والدعم الخارجي لقوى داخلية بعينها، وتحديد لقوى «الإسلام السياسي» بقيادة جماعة «الإخوان» والميليشيات التابعة لها والمتحالفة معها، ما أدى إلى خلق مناخ من الصراعات السياسية والضغوط المتبادلة، والفوضى الأمنية، التي يستحيل في ظلها إجراء انتخابات نزيهة، علماً بأن القوى المشار إليها كلها لديها امتدادات خارجية، دولية وإقليمية، أو تمثل امتداداً لمصالح وضغوط خارجية.

كما أن حكومة الدبيبة، المتحالفة مع القوى المذكورة، عملت بوضوح تام على إعاقة تنفيذ خارطة الطريق، بما في ذلك عرقلة جهود لجنة (5+5) لتوحيد المؤسسة العسكرية، وإصرار الدبيبة على الاحتفاظ لنفسه بوزارة الدفاع، والتأخير المتكرر في دفع رواتب الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر، وعدم اتخاذ خطوة واحدة في اتجاه حل الميليشيات الإرهابية والقبلية والمناطقية، بل والقيام بدفع رواتب لهذه الميليشيات وقوات المرتزقة، واستناداً إلى علاقة الدبيبة بمحافظ المصرف المركزي الذي كانت خارطة الطريق تقضي بتغييره، فقد ظل في منصبه، ورفض إخضاع الموازنة العامة لرقابة البرلمان، إضافة إلى انتشار الفساد والمحسوبية على أوسع نطاق، وإنفاق المال العام لأغراض انتخابية تخص الدبيبة الذي ترشح الانتخابات الرئاسية في انتهاك لقانون الانتخابات، ولتعهده أمام (ملتقى الحوار) بعدم ترشح نفسه.. ثم إعلانه أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة «على أساس توافقي»، بما يعني إعطاء «فيتو» لقوى «الإسلام السياسي» في الغرب الليبي بقيادة الزعيم الإخواني خالد المشري على أية عملية انتخابية لا تستجيب لشروطها، أو على نتائج أية انتخابات لا ترضيها.

واللافت للنظر أن حكومات الدول الغربية الخمس الكبرى المتصلة بالوضع الليبي «أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا»، لم تكتف بعدم الضغوط على حكومة الدبيبة لتنفيذ «خارطة الطريق» بل أعلنت تأييدها لاستمرار حكومة الدبيبة في السلطة بعد انتهاء فترة حكمها، في (24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي) وفقا لما تقضي به «الخارطة» العتيدة.

الانتخابات تبتعد

وإزاء الفشل في إجراء الانتخابات اضطر البرلمان (السلطة الشرعية والوحيدة المنتخبة في البلاد) للخضوع لأهم شروط خالد المشري والسياسيين في طرابلس بالموافقة على وضع الدستور والاستفتاء عليه قبل إجراء الانتخابات، (بدلاً من القاعدة الدستورية المتمثلة في قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية)، وعلى أن يتم ذلك بالمشاركة مع ما يسمى «المجلس الأعلى للدولة» بقيادة المشري، وهو مجلس غير منتخب من مخلفات «اتفاق الصخيرات» المنتهي أجله، ومع «لجنة الدستور»، وكلاهما هيئة يهمين عليها «الإخوان»، وبتمثيل متساو للأطراف الثلاثة، الأمر الذي يعني الوصول في جدل طويل ومفتوح حول كل مادة. وتقدر «خارطة الطريق» البرلمانية الوقت المطلوب لهذه العملية نحو (12 شهراً) أي سنة كاملة لإجراء الانتخابات. أما القيود الأخرى شديدة الأهمية، بل الحاسمة، في تهيئة المناخ للانتخابات وفي مقدمتها خروج القوات الأجنبية والمرتزقة وحل الميليشيات، وتوحيد القوات المسلحة، والمؤسسات السيادية، فيلفّها صمت مريب، بالرغم من أنه من دونها يستحيل ضمان الحد الأدنى من نزاهة أية انتخابات.

الحكومة الجديدة

الأمر الأساسي الذي يصرّ عليه البرلمان بأغلبية أعضائه، هو إقالة حكومة الدبيبة، وتشكيل حكومة جديدة، وأبرز المرشحين لرئاستها هو فتحي الباشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة السراج، وزعيم ميليشيات «مصراتة»، والمرشح الرئاسي، والمنافس للدبيبة على الزعامة في الغرب. وهناك أيضاً احمد معتيق النائب السابق لرئيس «المجلس الأعلى للدولة»، وهو أيضاً من زعماء مصراتة، إلا أن حظوظ «الباشاغا» أقوى من حظوظ معتيق لأنه يتمتع بنفوذ سياسي وعسكري أقوى.

ومعروف أن الباشاغا كان زار بنغازي قبل الموعد المقرر للانتخابات، ثم عاد والتقى به وبعقيلة صالح «رئيس البرلمان»، وهو يبدو أقدر من أي سياسي آخر على مواجهة الدبيبة والمشري والميليشيات المرتبطة بهما، خاصة مع دعم الجيش الوطني له، غير أن الدبيبة أعلن أنه غير مهتم بما يقرره البرلمان ورئيسه.. وأنه مستمر في السلطة.

واللافت للنظر أن مستشارة أمين الأمم المتحدة،ستيفاني ويليامز، أعلنت أن البرلمان يجب أن يهتم بإجراء الانتخابات وليس بتغيير الحكومة، خوفاً من دخول البلاد في وضع انقسام، من دون أن توضح كيف يمكن إجراء الانتخابات في ظل حكومة الدبيبة، وسيطرة ميليشيات الإخوان.. بل ذهبت إلى القول إن خروج المرتزقة ليس شرطاً لإجراء الانتخابات، من دون أن تتحدث عن الميليشيات المسلحة، ولا عن القوات الأجنبية، ما يشير إلى عدم جديتها في مسألة إجراء الانتخابات، لا هي ولا الدول الخمس الكبرى المؤيدة لاستمرار الدبيبة في الحكم.. ويشير ذلك كله إلى عودة وضع ازدواجية الحكم أيام السراج.. وإلى تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى مع بقاء القوات الأجنبية والمرتزقة. وهذا يعني أن مأساة الشعب الليبي مستمرة، وأن الحديث عن الانتخابات مجرد لغو.. وأن الأمل فيها يبتعد كسراب في الصحراء.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"