الحكومة الجديدة ومستقبل الانتخابات في ليبيا

01:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول*

ثمة حراك في المطبخ السياسي الليبي، بدأت تتضح فيه معالم خارطة الطريق الجديدة التي يضع مجلس النواب لمساتها الأخيرة، بالتوافق مع كل القوى والأطياف السياسية الفاعلة والحريصة على مستقبل البلاد.

   ومن خلال متابعة تفاصيل هذا الحراك السياسي، نرى أنّ كل المؤشرات تدل على الاتجاه إلى تشكيل حكومة جديدة، يترأسها مرشح توافقي يمتلك القوة الواقعية على الأرض في الغرب الليبي، وفي الوقت ذاته يحوز على تأييد من الشرق والجنوب، ألا وهو  فتحي باشا آغا. وربما يعقد مجلس النواب الليبي جلسة خلال الأيام المقبلة للإعلان عن حسم مصير الحكومة المنتهية ولايتها منذ 24 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، وتشكيل حكومة جديدة قد تستمر في ولايتها فترة ليست بالقصيرة، ربما تتجاوز العام لتحقيق المهمة المكلفة بها. 

  وسوف تتحدد مهمة حكومة باشا آغا، كما تحدث عنها أخيراً، ولاسيما أثناء زياراته لمختلف المناطق الليبية، في تحقيق المصالحة الوطنية، وإنهاء الانقسام، وتوحيد مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والقوات الأمنية، وتحقيق الانسحاب الفوري لجميع القوات الأمنية والمرتزقة من الإقليم الليبي، والتمهيد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية

  وقبل ذلك كله، سوف تركز الحكومة الجديدة على معالجة المشكلات الاقتصادية، وتحسين الوضع المعيشي، وإصلاح نظام الخدمات. وسوف تكون بالقطع هناك استفادة من إخفاقات الحكومة المنتهية ولايتها.

  وبالنسبة إلى لانتخابات الليبية، فسوف تكون من أولويات الحكومة الجديدة، ولكن قد يأخذ الترتيب لانعقادها وقتاً، على أقل تقدير في بداية أو نهاية الصيف المقبل، لأنّ الحكومة الجديدة سوف تعكف على إتمام التوافق الوطني، وتعديل القوانين الانتخابية، ووضع دستور جديد للبلاد.

  وقد يكون من الملائم إعطاء نبذة قصيرة عن المرشح لرئاسة الحكومة الليبية الجديدة، فتحي باشا آغا، الذّي انضم إلى سلاح الجو الليبي فور تخرجه في الكلية الجوية بمصراتة في 1984. وعقب استقالته من القوات الجوية عام 1993، عمل بالتجارة لفترة ليست بالقصيرة. وفي 2011، التحق بالمجلس العسكري، ثم انضم إلى اللجنة الاستشارية في هيئة المصالحة الوطنية. كما عمل عضواً في مجلس شورى مصراتة في 2012. وبعدها بعامين، انتخب لعضوية مجلس النواب عن مدينة مصراتة. وفي عام 2018، أصبح  باشا آغا وزيراً للداخلية في حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السرّاج.

  والحقيقة أن تشكيل الحكومة الجديدة، إذا تم كما أوضحنا، برئاسة باشا آغا، فإنه سوف يمثل حدثاً تاريخياً في ليبيا بعد 2011، له دلالات مهمة. فهذه أول مرة تختار ليبيا رئيس حكومتها الوطنية من تحت قبة مجلس النواب، ومن داخل البلاد، ومن دون تدخل أية قوى خارجية، أو توصيات منظمات دولية. ولعل هذا يُشير إلى الدور الوطني التوافقي الذي بات يؤديه مجلس النواب الليبي، وهو الدور الذّي من شأنه أنْ يقود عاجلاً، وليس آجلاً، إلى إنهاء الانقسام السياسي في البلاد. ولنتذكر أنّ أهم بنود خارطة الطريق التي اقترحها المجلس هو إتمام عملية المصالحة الوطنية. كما أنّ ذلك الحدث التاريخي يشير أيضاً إلى الدور الحاسم لمجلس النواب، ممثل الشرعية الشعبية، الذي أصر على تضمين شروط الترشح لمنصب رئيس الحكومة شرطاً يتعلق بتعهد المرشح خطياً بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. علاوة على ذلك، فإنّ هذا الحدث التاريخي بالتوافق على تشكيل الحكومة الجديدة من جانب مجلس النواب، ما كان ليحدث لولا وجود شخصية المستشار عقيلة صالح، رئيس المجلس، الذّي يمتلك خبرة واسعة تمتد إلى نحو نصف قرن في سلك القضاء والنيابات العامة والمجال السياسي، وخصائص شخصية مكنته من تحقيق التوافق السياسي على خارطة الطريق المذكورة.

  والخلاصة، أن أبناء ليبيا المخلصين سوف يسعون إلى إنهاء الانقسام والتشرذم الذي تعانيه البلاد منذ ما يزيد على عقد من الزمان، وإعلاء المصلحة العليا للوطن والمواطن.

  أعتقد أن المجتمع الدولي، وفي مقدمته دولة الإمارات العربية المتحدة، سوف يدعم الشعب الليبي، ويساند توحيد صفوف الليبيين للخروج من النفق المظلم، وتعود ليبيا دولة فاعلة في النظام العالمي.

*متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"