هجوم كروكوس.. والحرب الروسية - الأوكرانية

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول

جاءت إعادة انتخاب الرئيس بوتين لفترة خامسة لتؤشر إلى تصعيد مستوى الصراع في الحرب الروسية - الأوكرانية، فبعد فوزه السهل والساحق في الانتخابات الرئاسية التي جرت على مدى ثلاثة أيام في الفترة (15-17 مارس/ آذار)، كان أول القرارات العملياتية التي اتخذها بوتين هو شن هجوم جوي واسع النطاق بالصواريخ والطائرات المسيّرة على مناطق متفرقة من أوكرانيا دمر منشآت للطاقة والمجمع الصناعي العسكري ومراكز السكك الحديدية؛ رداً على هجمات وتوغلات حدودية أوكرانية سابقة. وتزامن ذلك مع قرار استراتيجي اتخذه الكرملين، وهو الإقرار لأول مرة بأن روسيا في «حالة حرب» في أوكرانيا بعد أن كانت تُوصف بأنها «عملية عسكرية خاصة»، بسبب التدخل الغربي. وبدا الرئيس بوتين عازماً على تحقيق أهدافه كاملةً في هذه الحرب.

ويبدو أنّ المتغيرات التي تدفع دفعاً إلى تصعيد «الحرب الموضعية» في أوكرانيا لا تأتي فرادى، فبعد أقل من أسبوع من الانتخابات الروسية ضرب هجوم إرهابي تبناه تنظيم «داعش - خراسان» قاعة للحفلات الموسيقية في «كروكوس سيتي» قرب موسكو، في 22 مارس/ آذار؛ ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 143 وإصابة العشرات من المدنيين الروس. وبرغم نفيها صلتها به فقد ألقت القيادة الروسية اللوم مراراً وتكراراً على أوكرانيا وداعميها الغربيين. وبعد أقل من 24 ساعة من الهجوم، شنّت القوات الروسية هجمات جوية واسعة على كييف ومناطق أوكرانية أخرى. وحتى عندما اعترف الرئيس بوتين على مضض، في 25 مارس/ آذار، بأن الهجوم نفذه «إسلاميون متطرفون»، أشار إلى أنهم كانوا يعملون بناءً على طلب أو بتخطيط من طرفٍ آخر (أوكرانيا).

ويأخذ التصعيد الروسي في أوكرانيا شكلين أساسيين، أولهما تكثيف الهجمات على القوات الأوكرانية عبر الخطوط الأمامية والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي. وثانيهما يتمثل في زيادة القصف الجوي على المدن الأوكرانية، لا سيما على البنية التحتية للطاقة بما في ذلك شبكة الكهرباء. وتتلخص دوافع هذا التصعيد الروسي في خلق الظروف الملائمة لاستعادة المناورة تمهيداً لهجوم الصيف المقبل، وإظهار عزم القيادة الروسية على معاقبة من يتوجهون بالإيذاء للمواطنين الروس العاديين سواء في المقاطعات الحدودية أو ضحايا هجوم كروكوس الإرهابي، وربما حتى توليد دعم أكبر للحرب، وإرهاق السكان الأوكرانيين من جهةٍ أخرى. كما أنّ هذا التصعيد يصرف الانتباه عن فشل المؤسسة الأمنية الروسية في منع الهجوم الإرهابي أو غيره من التوغلات الحدودية للمجموعات المسلحة «الروسية» المدعومة أوكرانياً.

ومن الناحية العسكرية، تتمتع القوات الروسية، التي أجرت الشهر المنصرم سلسلة من التغييرات في قيادات وزارة الدفاع والحرس الوطني (روسغفارديا)، وقيادة الأسطول، الآن بمزايا مادية وبشرية مقارنة بنظيرتها الأوكرانية. كما أنّ التوقيت ملائم أيضاً لموسكو لمتابعة عملياتها الهجومية، لا سيما في ضوء حالة عدم اليقين المتعلقة بالدعم العسكري الغربي لكييف برغم الوعود والتعهدات الهائلة، وتطلع معظم دول العالم إلى أماكن أخرى.

ومن المفارقات أن القوات الأوكرانية، برغم وضعها الدفاعي الصعب وحالة الإجهاد ومشكلة نقص القوات والذخيرة التي تعانيها، صعّدت وتيرة حربها اللامتماثلة سواء بالمسيرات البعيدة المدى التي ضربت أهدافاً حيوية للطاقة (مصافي وخزانات نفط) في العمق الروسي، أو بحرب العصابات التي تولتها مجموعات مسلحة روسية موالية لأوكرانيا، تمكنت من التوغل عبر الحدود الروسية في عدة مقاطعات روسية حدودية.

ومع اتجاه الحرب في أوكرانيا إلى التصعيد يتزايد مستوى الصراع بين روسيا والغرب، ففضلاً عما شهدته الحملة الانتخابية وخطاب النصر وردود الفعل الغربية على نتائج الانتخابات الروسية من زيادة حدة العداء الخطابي بين روسيا والغرب، أعلنت روسيا أنها في حالة حرب بسبب التدخل الغربي، وأقرّ الرئيس بوتين بوجود قوات غربية على الأرض في أوكرانيا، ولوح «مرة أخرى» باستخدام الأسلحة النووية، واستمرار المبادرات والتعهدات الأوروبية بتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، بما في ذلك استخدام الأرباح الناتجة عن الأصول الروسية التي تم الاستيلاء عليها في شراء الأسلحة لأوكرانيا. والأهم من ذلك تشير التقارير العسكرية إلى استعدادات روسية لصراعٍ طويل المدى مع حلف الناتو.

وتأسيساً على استقراء مسار تطور الحرب وتحليل وضعها الراهن، يُرجح أن يسود اتجاه التصعيد مسار الحرب هذا العام. ورغم أنّ الاشتباكات على طول خط المواجهة الذي يبلغ طوله أكثر من ألف كيلومتر تأخذ نمط الحرب الموضعية فإن الهجمات الروسية المتواصلة منذ بداية الربيع تهدف إلى تحقيق تقدم إلى الأمام من خلال مكاسب تكتيكية، وإن كانت محدودة، أو تهيئة الظروف لاستعادة المناورة في ساحة المعركة، ربما تمهيداً لهجوم الصيف المقبل. بيد أنّ زيادة وتيرة الحرب اللامتماثلة من جانب الطرفين تفضي إلى مزيدٍ من الاستنزاف لقدراتهما البشرية والمادية.

[email protected]

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zursyer

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"