«رق الحبيب»

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ما قرأته حول الأغنية الشهيرة والرقيقة جداً «رق الحبيب»، يفيد بأن أم كلثوم غنتها في العام 1944، وفي إبداعها اجتمع الثلاثي الذهبي: أحمد رامي شاعراً، محمد القصبجي ملحناً، والغناء بالصوت الكلثومي، ويقال إن لتلك الأغنية حكاية، تدور في فلك «الحب الغامض» الذي وقع فيه رامي لأم كلثوم وأفصح عنه في كلمات الأغاني التي خصّها بها، ومنها كلمات «رق الحبيب».
يُروى، والعهدة على من روى، أن سوء تفاهم حدث بين الاثنين، أم كلثوم ورامي، أدى إلى خصومة مؤقتة، لم تطق «الست» استمرارها، فبادرت إلى الاتصال برامي داعية إياه لعمل ثلاثي جديد يجمعها معه والقصبجي. رفض رامي للطلب محال بل لعله وجدها سانحة في أن يوصل، عبر كلمات الأغنية، ما يجول في نفسه من مشاعر فياضة تجاه أم كلثوم، فجاءت تلك الكلمات في نسيج متقن جمع بين مشاعر الشوق والكبرياء في آن: «رق الحبيب وواعدني يوم/ وكان له مدة غايب عني (...) / سهرت استناه/ واسمع كلامي معاه/ وأشوف خياله قاعد جنبي».
ما نحن بصدده هنا ليس الأغنية وحدها، وإنما قصة قصيرة في منتهى العذوبة والشجن للأديب محمد المخزنجي حملت عنوان الأغنية نفسها، أي «رق الحبيب»، وهو نفسه الذي اختاره لآخر مجموعة قصصية له، وتدور حول مريض مقيم في مصحة نفسية منذ عشرين عاماً، يتراءى له أنه هو نفسه محمد القصبجي، الموسيقي والعاشق لأم كلثوم، ويبلغ به الأمر حدّ تخيل أن فيلا محبوبته تقع في المصحة نفسها، في القسم الذي يطلق عليه «قسم الحريم»، حيث يقصد المكان، وهو يردد مقاطع الأغنية ويدق على الباب منتظراً من يفتحه له.
ولأن حارسة المناوبة تعرف بما هو عليه، ترد عليه بتكاسل، كلما دق الباب: «روح يا قصب»، مبدلة ترتيب الكلمتين بين الحين والآخر: «روح يا قصب، يا قصب روح»، ولما تنبهت إحدى الطبيبات المعالجات في المصحة نفسها للأمر، «رقّ» حالها هي الأخرى على الرجل الموهوم بأنه قصب، فاقتربت منه تسأله عن سبب دقه المتواصل للباب، فأجابها بأنه يريد رؤية حبيبته أم كلثوم، التي يعرف أنها داخل الفيلا.
في مسعى من الطبيبة لتهدئة الرجل، قالت له إن أم كلثوم ليست موجودة في الفيلا الآن، لأنها مسافرة إلى تونس والجزائر لتقيم حفلات هناك، وستعود بعد أسبوعين. ردّ الرجل مطرقاً: أسبوعان؟ وانصرف، وهو يتمتم: «أسبوعين.. أسبوعين»!
بعد انقضاء عشرة أيام، عاد «قصب» إلى قسم الحريم ليقول للطبية: «تلات أيام وتعود ثومة من السفر»، وبعد تفاصيل كثيرة، تنتهي القصة بنهاية فاجعة، حين أنهى الرجل حياته شنقاً بعد أن يئس من عودة «ثومة».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"