آبار وأنقاض

00:04 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

نبيلٌ ذلك التعاطف الإنساني الذي كنا شهوداً عليه مع مأساة الطفل المغربي ريان الذي وقع في بئر. في كل مكان ارتفعت الدعوات صادقة إلى السماء بأن ينقذ الله حياة ذلك الطفل، وحين فشلت جهود إنقاذه التي استمرت أياماً ارتفعت الأيدي ولهجت الألسن بالدعاء له بالرحمة ولأمه المكلومة وكل عائلته بمشاعر المواساة.
نبيلٌ كل هذا العطف تجاه طفل شاءت الأقدار أن ينتهي نهاية فاجعة، كتلك التي انتهى إليها ريان، وكما في الحالات المشابهة تعتني وسائل الإعلام باستعادة حكايات محزنة مشابهة، منها على سبيل المثال حكاية طفل، كان عمره سنتين، سقط في بئر بعمق حوالي 100 متر في منطقة ملقة بجنوب إسبانيا في 2019، وفشلت حينها كل المحاولات لإنقاذ ذلك الطفل، الذي سقط حينما كانت العائلة تتنزه في يوم عطلة، مستغلة الدفء الذي نشرته الشمس في شتاء منطقة الأندلس، فسقط فجأة، وهو يلعب، في البئر، التي لم تكن العائلة تعلم بوجودها، في سيناريو مشابه لذاك الذي حدث مع ريان المغربي.
طفل آخر كان أكثر حظاً من الاثنين، لم يقع في بئر، وإنما تاه وحيداً في غابة ثلجية بسيبيريا شمالي روسيا، ورغم قسوة الصقيع وكثرة الحيوانات المفترسة في الغابة، إلا أنه تمّ العثور عليه حياً، ولحسن حظه، على ما يورد موقع «دي. دبليو» الألماني، «أنه كانت بحوزته بضعة ألواح من الشوكولاتة، ساعدته على الصمود خلال الأيام الثلاثة التي بقي فيها في الغابة»، بجوار شجرة كبيرة اختارها كملجأ له.
باعثةٌ على الوجع حكايات مثل هذه، ولكن حكايات أخرى لا تقل وجعاً، بل تزيد يمكن أن نرى صوراً لها أو نقرأ عنها في وسائل الإعلام عن أطفال تقدّر أعدادهم بالمئات وربما بما هو أكثر، أخرجوا جثثاً ممزقة في بلدان عربية مختلفة تمزقها الحروب والفتن ومؤامرات الداخل والخارج، من تحت المباني التي طالها قصف الصواريخ والطيران، بينهم أطفال رضع.
أذكر صورة معبرة رأيتها في بدايات الحرب الطاحنة المدمرة في سوريا، لطفل يجلس وحيداً على بقايا مبنى دمر عن آخره، يضع إحدى يديه على خده، فيما بدا غارقاً في حزن عميق. لعله يكون محظوظاً لأنه نجا من الموت حين قصف المبنى، وقد يكون غير محظوظ لأن والديه أو أحبة له تحولوا إلى أشلاء تحت ركام هذا المبنى أو سواه، وأذكر أيضاً أني أعدت نشر الصورة، ووضعت تحتها بيت شعر محمود درويش الوارد في قصيدته «مديح الظل العالي»، والقائل: «كنت وحدي، ثم وحدي، آه يا وحدي»، وجدته معبراً بعمق عما تخيلت أنه يجول في خاطر ذلك الطفل.

madanbahrain@gmail.com

عن الكاتب:
كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".