الطلبة وحرية الإبداع

22:25 مساء
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

يتوق معظم طلبة المرحلة الثانوية لمتابعة دراساتهم في تخصصات في مجالات الكتابة أو الفنون الأخرى، لأنهم يحبون الفن ويرغبون في التحرر من قيود الدراسة الآلية، لكنهم لا يعرفون ما إذا كان الفن مهنة ويذعنون للنصائح التي تأخذهم نحو اتجاه آخر تماماً؛ لأن من ينصحهم هم الآباء أو الأشخاص الذين يعرفون ما لا يعرفه أحد.

وعندما يحين وقت اتخاذ قرار التخصص في الثانوية يجدون أنفسهم مرغمين، بآراء والديهم، على اختيار تخصص سيساعدهم في الحصول على مهنة تؤمن لهم الاستقرار المادي وتمنحهم الشعور بالأمان، كما يتعامل الآلاف اليوم  إن لم يكن الملايين من الطلاب في المدارس الثانوية  مع مشكلة مماثلة.

وتتكرر قصص الالتحاق بالتخصص الذي يقترحه الأبوان أو المعلمون أو الأكبر سناً، ليجد الطالب نفسه بعد تخرجه مضطراً لصنع مسيرته المهنية في أعمال لا علاقة لها بشهادته، أو يكابد ندماً يجعله يتمنى لو عاد به الزمن ليقف ضد تلك الاقتراحات ويطارد شغفه.

وربما لا ينبغي استبعاد النصيحة التي قد تكون على حق أو تحمل الكثير من النقاط الصحيحة، ولأن الوالدين أو المعلمين يبحثون عن مصلحة أبنائهم الذين يعرفونهم أكثر من غيرهم، وربما تكون الكثير من التوجيهات التي يتلقاها الأبناء رائعة ومنطقية تماماً، لكنها في الواقع تحرمهم من شغفهم، لأنهم لم يخطئوا في اختيار الفنون مهنة مستقبلية، لكن من نصحوهم ظلموهم بإعطاء أنفسهم الحق في التخطيط لحياة أبنائهم، وتحديد ما عليهم دراسته، كما أخطأوا في التقليل من أهمية دراسة الفنون واعتبارها كفاحاً شاقاً من أجل العيش، إلا أنها قد تشتمل على فرص عمل أكثر بكثير مما يدركونه.

إن الكثير من التخصصات التي يعتبرها الناس «غير مجدية» تعلم الطلبة، في الواقع، عدداً كبيراً من المهارات القيّمة التي يمكن أن تؤدي إلى فرص عمل لا تصدق. وتفتح دراسة الفن، الباب لمجموعة من الوظائف في الصناعات الإبداعية، وهي جزء مهم من الاقتصاد وتعلم المهارات الوظيفية المفيدة التي تعد الطلاب لشغل وظائف مستقبلية أكثر إبداعاً.

ويجهل كثير من الآباء أنه حتى أهم التخصصات العلمية لا تؤمن مستقبلاً أفضل لأبنائهم، أو تضمن حصولهم على وظيفة بعد التخرج، فلا يوجد تخصص محدد يثبت توظيفهم وإن صاروا موظفين أو حتى أصحاب أعمال يمتلكون المال، لكنهم محرومون من إرواء شغفهم.

إن المال والنجاح ليسا مترادفين، والسعادة ليست في حيازة ما يكفي من المال لدعم نمط حياة معين، لكنها في القيام بما نحب وما يجعلنا لا نهتم بمقدار ما نجنيه. وكما تظهر الأبحاث فثمة عدد قليل جداً من خريجي الجامعات يعملون في وظائف لها صلة بتخصصاتهم. إن اتخاذ قرار الالتحاق بكلية الطب على سبيل المثال، لا يجعل الجميع أطباء؛ بل حتى الأطباء أنفسهم ليسوا جميعاً متميزين في مهنهم. ولن ينجح أي متخرج في عمله ما لم يحبه ويكون شغوفاً به.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"