السينما نظيفة أم لا؟

23:31 مساء
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم

بعض السينمائيين المصريين يبرهنون يوماً بعد يوم على عدم إيمانهم بالتنوع، ولا بالحق في الاختلاف، ويريدون أن يرى الجميع العالم بنفس عيونهم، ويصل بهم الجمود الفكري إلى حد رفض السينما التي لا تتوافق مع رؤاهم، فإما أن يكون هذا المبدع، أو ذاك، صورة طبق الأصل منهم فكرياً وإبداعياً، وإما يحكمون عليه بأنه يشوه السينما ولا يستحق الانتماء لعالم «الفن السابع».

السينما، منذ اختراعها على يد الأخوين لوميير، قبل ما يزيد عل قرن وربع القرن، فن شعبي، يستخدم التعبير بالصوت والصورة عن اختلاف هذا العالم، اجتماعياً وسياسياً، وعن الحياة وكيف يعيشها كل إنسان وكل مجتمع وشعب، بحلوها ومرّها. بعض أفلامها كانت مرآة للواقع، والبعض الآخر حلّق في سماء «الفانتازيا»، وطار في عالم من الخيال للتعبير عن عالم غير موجود، وسبق العلماء والخبراء في الوصول إلى الفضاء، وتخيل وجود كائنات غيرنا تعيش على الكواكب الأخرى. والبعض عبّر عن الفضيلة ولم يتجاهل عالم الرذيلة، فضح أباطرة الديكتاتورية وخلّد أباطرة العلم، تحدث بلسان الديانات المختلفة ومنح للملحدين مساحتهم، فالسينما فن الاختلاف وإثارة الجدل الصحي والنقاش المفيد بين صناعها وروادها ونقادها، وحول أعمالها أقيمت المهرجانات، وشهدت قاعات الندوات خلافات واختلافات في وجهات النظر من دون أن يفسد ذلك للود قضية.

الجدل يعود الآن ليتصدر المشهد، فمنذ أن أطلّ علينا من يصنّفون السينما بين «نظيفة» و«غير نظيفة» خلال السنوات الأخيرة، والأمور تتصاعد بدل أن يسيطر المنطق ويتراجع الجهل، ووصل القصور الفكري ببعضهم إلى حد اعتبار السينما التي تتضمن مشاهد رومانسية «جريئة» ضمن ما ترتضيه الرقابة وشروطها، هي السينما غير النظيفة، والتي لا تتضمن هذه المشاهد هي سينما نظيفة.. السينما فن أبهر العالم، وسيظل الفن الممتع والجاذب لكل ألوان البشر، بصرف النظر عن انتماءاتهم الطبقية ومستوياتهم الاجتماعية، أو الثقافية، أو الاقتصادية، هو الإبداع الناجح، وتصنيفه على أساس مشاهد جريئة وغير جريئة منتهى القصور وإهانة للفن الذي علم الدنيا آداب وفنون الاختلاف.

 من عظمة الخالق أننا كبشر مختلفون، لساننا ليس واحداً، وأشكالنا متنوعة، وألواننا متعددة، وملامحنا مختلفة، وبعضنا لا يزال يرى هذا العالم من نافذة ضيقة لا تتسع سوى له وحده، يريد طريقة واحدة للتمثيل والتعبير والتفكير، وهذا هو الانغلاق الذي يفرز تطرفاً فكرياً ودينياً وطبقياً ومناطقياً، المصنفون للسينما على أساس نظيفة وغير نظيفة متطرفون فنياً، ويريدون استغلال السينما ليسود التطرف ويتحكم في كل العقول.

هل كانت سينما فاتن وشادية وصباح ورشدي أباظة والعندليب ومحمد فوزي «غير نظيفة»، وحلت على السينما النعمة في السنوات الأخيرة؟ ليتنا نستوعب وندع كل مخرج يعبّر عما بداخله، من دون أن نحجر عليه، وندع كل فنانة تمثل بطريقتها من دون أن ننال منها ونطلق عليها الصفات غير الأخلاقية، ولا ننال ممن لا تقبل أداء هذه النوعية من المشاهد.

 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"