الحق في النسيان

د. حسن مدن

درجت المطالبة دائماً بالحق في التذكر. كثيراً ما نطالب بصون الذاكرة على أنواعها: الوطنية والقومية، والثقافية، وتخليد، لا نسيان، ذكرى الرموز الثقافية والوطنية في تاريخ المجتمعات المختلفة، لكن الحديث اليوم يدور عن حق آخر يبدو نقيضاً للحق في التذكر، هو الحق في النسيان، أو للدقة حق الأفراد في أن يُنسوا، والمقصود بالضبط حذف صفحات ووقائع في حياتهم، لا يريدون لها أن تظل محفوظة.
للأمر علاقة بما بات منشوراً من هذه الوقائع على الشبكة العنقودية، ولا سبيل لإلغائها إلا إذا وافقت المنصة المعنية على ذلك، وهي في الغالب الأعم لا توافق، مستندة في ذلك على مبدأ حرية التعبير، غير آبهة لما قد يسببه ذلك من انزعاج أو ضيق أو أذى للشخص أو الأشخاص الذين يحسبون أنفسهم متضررين من استمرار معلومات معينة عنهم متاحة على هذه المنصة أو تلك، ويرغبون في حذفها، وقد ينتقل الأمر إلى ورثتهم، الذين سيلازمهم الإحساس بأن ما هو منشور عن أسلافهم يسيء لهم هم أيضاً، أي للورثة، حيث يوصف «الحق في أن تُنسى» - أو «الحق في محو معلومات تخصّك» بأنه حق المرء في إزالة معلومات شخصية عنه متاحة للعموم، يراها مسيئة له ومضرة بسمعته.
ولا يتصل الأمر فقط بما يوصف بالأخبار أو المعلومات الزائفة أو المفبركة المسيئة للأشخاص والجهات، وإنما بمعلومات ووقائع حقيقية حدثت فعلاً، يريد المعنيون بها أو المتورطون فيها تجاوزها، لأنها حدثت في أعمار وظروف معينة يرون أنها باتت ماضياً، ويريدون أن «ينقوا» حياتهم منها، ولكن ليس كل ما يشتهي المرء يدركه، والأمر لن يصبح على طريقة «كن فيكون»، فدون ذلك عقبات كبيرة.
قبل نحو ثلاثة أعوام كسبت منصة «جوجل» ما وصف ب«قرار تاريخي»، حين أصدرت المحكمة الأوروبية حكماً يقر بأنها، أي جوجل، غير مطالبة بتطبيق «الحق في النسيان» عبر الإنترنت على محركات البحث التابعة لها خارج أوروبا.
مؤخراً جرى تداول أمر عريضة تنظرها المحكمة العليا في مدينة دلهي الهندية مقدَّمة من الممثل الهندي ونجم ما يعرف بتلفزيون الواقع أشوتوش كاوشيك، الذي يأمل أن تمنحه محكمة بلاده «الحق في أن يُنسى»، قائلاً إن حياته لا تزال رهينة خطأ كان قد اقترفه عن غير عمد قبل عشر سنوات، و«الحق في محو معلومات تخصّك» لا يزال مفهوماً جديداً في الهند حيث لم يقرّه القانون هناك بعد، ويقول كاوشيك إن نجاحاته وشهرته الواسعة لم تكسبه الإشادة والحب والتقدير فقط في مختلف أنحاء الهند، وإنما كانت أيضاً سبباً في التشهير به عندما أدين في قضية قيادة تحت تأثير الكحول.
[email protected]