المتاهة الليبية

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

إذا كانت المتاهة تعني الدخول إلى مكان وعدم الخروج منه إلا بصعوبة، فإن ليبيا تمثل النموذج السياسي الأمثل للمتاهة، بعدما باتت عصية على الحل إلى حد بعيد، إذ استهلكت منذ تفجّرها بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، ثمانية ممثلين للأمم المتحدة، كان أولهم وزير الخارجية الأردني الأسبق عبدالإله الخطيب، وآخرهم يان كوبيش، الذين استقالوا تباعاً لعدم قدرتهم على تحقيق الحل السياسي المنشود للأزمة، كذلك فشلت كل قرارات مجلس الأمن والمؤتمرات التي عقدت في أكثر من بلد عربي وأوروبي، في اختراق الجدار الليبي المصفّح بالعقد والمشاكل، حتى بدا كأن هناك حالة من الاستعصاء على أيّ حل.

  كانت الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فرصة لبداية الحل من خلال تمكين الشعب الليبي من اختيار ممثليه، وبدء مرحلة جديدة من السلام تضع حداً للانقسام السياسي والعسكري القائم، وتنهي حالة الاحتراب الأهلي، والتدخلات الأجنبية الممثلة في قوات عسكرية ومرتزقة، وميليشيات منفلتة، جهوية وقبلية، وتعيد توحيد المؤسسات الأمنية وفق خارطة طريق تم الاتفاق عليها في الملتقى السياسي الليبي، العام الماضي، لكن ذلك تبخّر، فلا جرت انتخابات، ولا تم تحديد موعد جديد لها، وعادت الأزمة الليبية تدور في حلقة مفرغة، تأكيداً لعجز الليبيين على حلّ أزمة بلادهم، وتأكيداً على فشل المجتمع الدولي في تنفيذ قراراته.

   ورغم أن مجلس النواب الليبي قرر، قبل أسبوعين، تكليف وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة عبدالحميد دبيبة التي فشلت في مهمتها، إلا أن ما جرى بعد التكليف يشي بأن باشاغا هو الآخر أمام مهمة مستحيلة، إذ إن الدبيبة يرفض التنازل عن رئاسة الحكومة، ويصرّ على أنه رئيس الحكومة الأصيل، وسيستمر في موقعه إلى حين إجراء الانتخابات. 

  وهكذا تكون الأزمة الليبية تحولت إلى متاهة حقيقية يصعب الخروج منها، طالما أن كل مسالك الخروج صارت غير واضحة.

هناك رئيس مكلف يسعى إلى تشكيل حكومة جديدة، ويعترف بأنه أمام مهام معقدة، من بينها تحقيق المصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات، وضبط السلاح، وتوحيد المؤسستين العسكرية والأمنية.. لكن كيف له تحقيق ذلك في وجود حكومة أخرى، مع صراع جهوي حاد مع الدبيبة الذي ينتمي إلى مدينته نفسها، (مصراتة)، ولكل منهما ميليشيات تؤيده؟ ثم كيف يقوم بمهمته والمجتمع الدولي لم يحسم موقفه بعد؟ ويبدو أنه أقل ترحيباً بتغيير السلطة التنفيذية، حتى أن  ستيفاني وليامز، ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة تميل إلى بقاء الدبيبة في منصبه حتى يونيو/ حزيران المقبل.

  كيف الخروج من هذه المتاهة التي تزداد تعقيداً في مسالكها المنظورة والخفية؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"