الأزمة الأوكرانية هل تفضي إلى الحرب؟

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

تصاعدت وتيرة الأزمة الروسية - الأوكرانية خلال الفترة الأخيرة، مع تسارع الأحداث والمواقف التي لا تخلو من تضارب بين الجانبين، ما أفرز تخوفات حقيقية بشأن خروج الأمور عن نطاق التحكم والسيطرة، بقيام القوات الروسية باجتياح الحدود الأوكرانية.
 وحقيقة، هناك الكثير من المؤشرات المقلقة التي تحيل إلى إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري من الجانب الروسي الذي قام بحشد نحو 100 ألف عسكري على حدوده مع أوكرانيا، ووجود تراكمات وخلافات لم تحسم بعد، كما هو الأمر بالنسبة إلى شبه جزيرة القرم، والاعتراف باستقلال إقليمي لوغانسك ودونيتسك، كردّ فعل على التوجهات الأوكرانية نحو مزيد من الانفتاح على حلف شمال الأطلسي، (الناتو)، والمنظومة الغربية بشكل عام. وفي المقابل، لم تتوقف الجهود الدبلوماسية والمساعي الحميدة، وحتى الضغوط والعقوبات الاقتصادية الغربية باتجاه روسيا، لتلطيف الأجواء والبحث عن مخرج يدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
 وظلت العلاقة حذرة بين روسيا من جهة، وحلف شمال الأطلسي، رغم الهدوء والتعايش والتنسيق الذي برز بين الجانبين على امتداد العقود الثلاثة الماضية، بصدد عدد من القضايا والملفات المشتركة، كملف الانتشار النووي، والأمن الأوروبي، ويبدو أن الدول الغربية استغلت انشغال روسيا على امتداد أكثر من عقدين؛ بترتيب بيتها الداخلي، ومواجهة عدد من الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الناجمة عن تفكك الاتحاد السوفييتي، لتنفيذ أجنداتها السياسية والأمنية والاقتصادية في شرقي أوروبا التي كانت محسوبة على الكتلة الاشتراكية.
 فحلف شمال الأطلسي تمدّد بعد انتهاء الصراع الإيديولوجي ليضم عدداً من دول أوروبا الشرقية سابقاً، كجمهورية التشيك وهنغاريا وبولندا وبلغاريا ورومانيا وألبانيا، وبعدما كانت مهامه تتركز في الأساس حول تكثيف الجهود والإمكانات لمواجهة التهديدات العسكرية المحتملة من المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي، سعى إلى ملاءمة مهامه واهتماماته مع متطلبات المخاطر والتهديدات الجديدة، حيث ركز جهوده على فتح التواصل والحوار مع دول أوروبا الشرقية، والعمل على تدبير الأزمات والنزاعات القائمة في الفضاء الأوروبي، بخاصة تلك الناجمة عن تفكك المنظومة الشرقية، كما بدأ بالتركيز على مواجهة عدد من المخاطر، كانتشار الأسلحة النووية، وتلوث البيئة، أو المخاطر غير الدولاتية العابرة للحدود، كالهجرة غير النظامية، والإرهاب.
 وتعتبر أوكرانيا إحدى الدويلات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وهي تمثّل خلفية استراتيجية لروسيا، بحكم الموقع والجوار والإمكانات الطبيعية والبشرية والاقتصادية والعسكرية، والعلاقات الحضارية والتاريخية، ولذلك ظلّت روسيا حريصة على عدم خضوعها للتبعية للغرب، بخاصة بعد عودتها (روسيا) إلى الواجهة الدولية بقوة في السنوات الأخيرة.
 ويوماً بعد الآخر، تتزايد المخاوف من اللجوء إلى الخيار العسكري، مع تمسك الأطراف المعنية بالأزمة بمواقفها. ولا يمكن فهم الأزمة الحالية من دون استحضار سياقاتها وخلفياتها وأبعادها الجيوستراتيجية. فقد شهدت العلاقات الأوكرانية - الروسية مجموعة من المحطات الصعبة، بلغت حدّاً من التوتر بشكل كبير منذ عام 2004 في أعقاب «الثورة البرتقالية» التي شهدتها «كييف»، والتي سعى خلالها كل من الغرب وروسيا إلى إرساء نظام موال له في «كييف».
 وفي الوقت الذي يحرص فيه الغرب على تقديم الدعم المالي لأوكرانيا، وتحفيزها على اعتماد إصلاحات في أفق الانضمام لحلف شمال الأطلسي، وتمكينها أيضاً من تعزيزات عسكرية أمريكية وأوروبية، ترفض موسكو توجّه أوكرانيا نحو التحالف مع الغرب، والانضمام إلى «الناتو»، بل وتعتبر ذلك تهديداً لأمنها، ولذلك فهي تعمل باستمرار على إرباك أي توجه في هذا الخصوص، والسعي لضمان حيادها (أوكرانيا) في أقل الأحوال.
وتحاول روسيا أن تبعث برسائل لأوكرانيا والغرب، بأنها مستعدة لكل الخيارات، بما فيها القاسية منها، فعلاوة على تمركز قواتها المسلحة بكل جاهزيتها على الحدود مع أوكرانيا، تمّ إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع بيلاروسيا.
 وتمثّل الأزمة محكّاً حقيقياً لقياس طبيعة العلاقات الروسية – الأمريكية التي لم تخل بدورها من توتّرات في السنوات الأخيرة، فالتصعيد الحالي سيسمح حتماً بقياس توجهات البيت الأبيض الذي اختار منذ سنوات سياسة الانكفاء على الذات والانسحاب من عدد من بؤر التوتر في العالم، كأفغانستان.
 ولم تخف الكثير من دول العالم مخاوفها من تطور الأوضاع نحو الخطر، حيث انطلقت الكثير من المساعي الحميدة، كتلك التي قادها الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، فدول الاتحاد الأوربي لن تقبل في كل الأحوال ببروز بؤرة نزاع مسلح خطير بمحاذاتها تذكّرها بحرب البوسنة والهرسك (1992-1995)، كما أن روسيا نفسها، ليست بحاجة اليوم إلى حرب قد تعمق أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، بعدما تخلصت إلى حدّ كبير من تراكمات الحرب الباردة.
وعموماً، تعيد الأزمة في عدد من جوانبها بعضاً من ذكريات أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، ومن المحتمل أن تنتهي بالسيناريو نفسه، بإرساء حلّ توافقي يقضي بتبني أوكرانيا موقفاً محايداً، بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، في مقابل تعهد روسيا بعدم استهدافها بعمل عسكري.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"