عادي

واشنطن تحاصر الصين بالأحلاف

23:16 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب- بنيمين زرزور:
تكثف واشنطن جهودها الدبلوماسية بالتركيز على تحالفاتها القديمة والمستجدة، انسجاماً مع ما هو معلن من برنامج إدارة بايدن حول «عودة أمريكا»، واستعداداً لما قد تؤول إليه التطورات من احتمال المحاربة على جبهتين، في المواجهة مع روسيا في أوكرانيا أو مع الصين في تايوان وبحر الصين الجنوبي.

جاء الاجتماع الرابع لأطراف اتفاقية «الرباعية الأمنية» (كواد) الذي عقد في ملبورن يوم 11 فبراير/ شباط، بحضور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزراء الخارجية في الدول الأعضاء وهم: اليابان والهند والدولة المضيفة، أستراليا، في إطار حرص واشنطن على تأكيد العلاقات الوثيقة بين الدول الأربع خاصة، والدول ذات التفكير المتماثل عامة.

ويبدو أن ما يشاع أكبر مما هو متاح على أرض الواقع، والذي تفرضه المصالح غير المتجانسة للدول الأعضاء وتباين مواقف كل منها، سواء حيال الأزمة الأوكرانية، أو المواجهة المفترضة مع الصين.

ولم يخصص اجتماع الرباعية في أستراليا لمناقشة المواجهة مع الصين أو ما أملته ظروف التوتر الذي تشهده القارة الأوروبية في المواجهة مع روسيا حصراً. إلا أن المجموعة التي تضم ديمقراطيات تريد العمل معاً حول كيفية التعامل مع القضايا المتنوعة بما في ذلك الأنظمة الاستبدادية، لا تزال بحاجة إلى البوصلة الدقيقة التي تحدد طبيعة المسارات التي لم ترسم على أرض الواقع حتى الآن على الأقل.

ولا يخفى ما بين مكونات المجموعة من منغصات التجانس خاصة الهند التي تكاد تكون العنصر «اللامنتمي»، من حيث فلسفة السياسة الخارجية ومنطلقاتها، وضعف الروابط التقليدية التي يتغنى بها حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهندي والهادي، التي باتت محط تركيز سياسات حلفاء واشنطن منذ انتخاب بايدن. صحيح أن الرباعية تشكلت نتيجة ما تعده بعض دولها الأعضاء، نفث السموم الصينية، لكن الخطوط العريضة لا تزال مهتزة، وربما يكون ذلك متعمداً.

أهداف المجموعة

فقد تشعبت طروحات الدول الأعضاء في المجموعة الرباعية مع أول قمة افتراضية في مارس/ آذار 2021، بينما بقيت سياسة أستراليا خجولة حتى عهد قريب خوفاً من إزعاج الصين.

وعلى عكس الاجتماعات السابقة، فإن هذا الاجتماع تطرق بإسهاب للكثير من القضايا المتفق عليها. وعلى الرغم من صدور بيان مشترك ووجود ضغوط مشتركة، فإن لقاءات الأطراف الثنائية كشفت الكثير فيما يتعلق بالأولويات الفعلية لكل طرف.

كان من المتوقع أن يكون رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون واضحاً في خطابه حول الجهات التي تسعى لإكراه بلاده على ما لا تريد؛ حيث تحول الخلاف التجاري بين أستراليا والصين، والذي استخدمته الأخيرة بشكل فظ سلاحاً لتحقيق غايات سياسية، إلى الشر المطلق منذ أن أعلنت بكين قائمة المظالم التي تضم 14 شكوى والتي يستحيل على أي دولة ديمقراطية القبول بها. و في الآونة الأخيرة، اكتشف الأمن الأسترالي أيضاً محاولات صينية لتمويل قوى يسار الوسط، للتأثير في الانتخابات الفيدرالية المقبلة في أستراليا. من هنا جاءت طمأنة بلينكن للأستراليين الذين أكد لهم حرص واشنطن على الانتخابات الديمقراطية النزيهة. وقال دانييل كريتنبرينك، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لمكتب شؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، في اتصال مع الصحفيين: إن بلينكين خرج من الاجتماعات الأسترالية مطمئناً أيضاً. وشدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين على أنه بينما لم يكن الصراع مع الصين «حتمياً»، فإن المجموعة تنوي الدفاع عن النظام العالمي القائم على القواعد، والذي يواجه الآن التحدي الروسي المتمثل في تهديد أوكرانيا.

انقسامات

وقال وزير الخارجية الهندي: ببساطة إن المجموعة الرباعية كانت قوة من أجل الخير، وتهرب من أي سؤال يتعلق بأوكرانيا. وكانت الهند قد امتنعت في وقت سابق عن التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ما يؤكد الانقسامات في الرباعية بشأن الأمور الحيوية لاثنين على الأقل من أعضائها، الولايات المتحدة وأستراليا. من جانبه، وافق البرلمان الياباني على قرار يدعم أوكرانيا، لكنه لا يزال أقل حماساً بشكل عام.

كانت الانقسامات واضحة أيضاً في الموقف بشأن ميانمار؛ حيث تناغم موقف الولايات المتحدة وأستراليا مرة أخرى بشأن الوضع «المقلق للغاية»، ولكن الهند ركزت على المخاوف التي تراها هي كجار مباشر، ومعارضتها العقوبات المباشرة. ورصد البيان المشترك دعم (باكستان) للإرهاب، مع الإشارة تحديداً إلى هجمات مومباي وباثانكوت، فيما اعتبر بلا شك انتصاراً لنيودلهي؛ حيث لم يتم ذكرها على الإطلاق في البيانات المشتركة السابقة. كما منحها البيان فوزاً آخر في التعبير عن «القلق» اللطيف بشأن ميانمار، بدلاً من «الإدانة» بنفس العبارات المستخدمة لوصف تجارب الصواريخ الكورية الشمالية. وكان البيان قوياً بشكل غير عادي في التزامه تجاه دول المنطقة؛ حيث تسعى الدول جاهدة «لحماية مصالح شعوبها، بعيداً عن الإكراه»، وهذا لمصلحة أستراليا.

كما أن البيان المشترك لم يناقش فقط قضايا بحر الصين الجنوبي والشرقي، كما فعل من قبل، ولكنه ألزم نفسه ببناء قدرات الشركاء الإقليميين، وحماية قدرتهم على تطوير الموارد البحرية. وهذا يعكس رؤية اليابان ودول الآسيان التي ترفض مطالب الصين المتزايدة.

لكن ذلك أغضب الصين التي أعلن المتحدث باسم وزارة خارجيتها تشاو ليجيان أن «آلية الرباعية هي، بطبيعتها، أداة لاحتواء الصين، والمحافظة على الهيمنة الأمريكية».

على صعيد اللقاءات الثنائية، لم يذكر اللقاء الهندي الأسترالي شيئاً محدداً بشأن الدفاع، على عكس الاجتماع الثنائي الياباني الأسترالي، الذي شدد على الوضع الأمني، أما ثنائية الولايات المتحدة وأستراليا فناقشت ثلاثية «أوكوس» (أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) والتهديدات من كل من روسيا والصين؛ بينما ناقشت ثنائية الولايات المتحدة واليابان أزمة أوكرانيا وميانمار وكوريا الشمالية بروح الحلفاء القدامى المقربين.

أخيراً، يحتاج أعضاء المجموعة الرباعية أيضاً إلى وضع أموالهم في مكانها الصحيح، والتأمل في سبب عدم تمكن الهند من الحصول على تكنولوجيا الغواصات النووية التي ذهبت إلى أستراليا، كما أنها (حتى الآن) ليست جزءاً من التحالف الاستخباراتي «العيون الخمس».

صحيح أن روابط مثل هذه التحالفات تشتد بالتسخين على نار الأزمات إلا أن تسخينها قد لا يبعث نفس القدر من الطمأنينة في نفوس جميع الأطراف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"