أزمة مخزون الغاز الأمريكي والأوروبي

21:31 مساء
قراءة 4 دقائق

جون كيمب *

على عكس النفط؛ حيث تحتفظ الدول المستهلكة بمخزونات استراتيجية لتعويض المخاطر، نضبت مخزونات الغاز الأمريكية أسرع من المتوسط هذا الشتاء على الرغم من درجات الحرارة الأكثر دفئاً من المعتاد عبر المراكز السكانية الرئيسية. 

وعزز الطلب القوي في أوروبا وآسيا صادرات الغاز الطبيعي المسال، ما أدى إلى انكماش السوق الذي يعتبر تخزين الغاز أكثر صعوبة وكلفة من النفط الخام والوقود السائل، ويجري التعامل معه على أنه مسألة مرتبطة بدرجة قريبة من الأمن القومي.

ووفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، انخفضت مخزونات الغاز الطبيعي تحت الأرض بمقدار 1,703 مليار قدم مكعبة منذ بداية نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. وكان معدل النضوب هو الأسرع منذ شتاء 2017 - 2018، والأعلى بكثير من متوسط خمس سنوات قبل الجائحة والبالغ 1,485 مليار قدم مكعبة. وتقل المخزونات الآن بمقدار 289 مليار قدم مكعبة (13%) عن المتوسط الموسمي لما قبل الجائحة، مقارنة ب 103 مليار قدم مكعب (3%) أقل من المتوسط في بداية نوفمبر.

وعلى الرغم من النضوب السريع للمخزون، يتوقع المتداولون أنه سيظل كافياً حتى نهاية موسم التدفئة الرئيسي، بناء على أسعار العقود الآجلة؛ حيث يتم تداول الأسعار حالياً في التقويم السنوي من نهاية فصل الشتاء في مارس/آذار إلى إبريل/نيسان عند حوالي 5 سنتات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بانخفاض من 1.80 دولار في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، عندما كانت هناك مخاوف من انخفاض الأسهم إلى مستويات متدنية للغاية.

ومع ذلك، ستُنهي مخزونات الغاز فصل الشتاء دون المتوسط في الكميات في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا، حتى مع افتراض استمرار تدفق إمدادات خطوط الأنابيب من روسيا. وستكون هناك حاجة إلى مستويات عالية من التوريد لإعادة ملء المخزن المستنفد على جانبي المحيط الأطلسي مع تلبية الطلب القوي من آسيا.

ولإعادة بناء المخزونات المستنفدة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى زيادة إنتاجها من الغاز، بينما سيتعين تقييد الاستهلاك خلال شهري الربيع والصيف، مما سيبقي الأسعار مرتفعة نسبياً، خصوصاً أن مولدات الطاقة العاملة بالغاز تستهلك في الجانب المادي ضعف ما تحتاج إليه الوحدات العاملة بالفحم، مما يعطيها حافزاً لتشغيل وحدات الغاز لساعات أقل مقارنة بالفحم وبالتالي المساعدة أكثر في إعادة بناء مخزون الغاز.

على صعيد الإنتاج، ارتفع عدد منصات الحفر التي تستهدف بشكل أساسي التكوينات الصخرية الحاملة للغاز الأسبوع الماضي إلى 124 منصة حفر، من 90 منصة عام 2021، وهو الأعلى منذ ما قبل الوباء. في حين ارتفع عدد الحفارات التي تستهدف بشكل أساسي التكوينات الصخرية الحاملة للنفط بشكل أسرع إلى 520 منصة، مقارنة ب 306 منصات عن نفس الفترة من العام الماضي، مما سيعزز أيضاً إنتاج الغاز. وعاود الإنتاج ارتفاعه مرة أخرى وصعد بأكثر من 5% في الأشهر الثلاثة من سبتمبر إلى نوفمبر من عام 2021 مقارنة بعام 2020.

كما انخفضت أسعار العقود الآجلة للشهر القادم بحوالي الربع عن أعلى مستوى لها في سبتمبر/أيلول 2020، لكنها لا تزال أعلى قليلاً من المتوسط بالقيمة الحقيقية منذ عام 1990. ولا تزال صناديق التحوط ومديرو الأموال الآخرون متفائلين بشأن أسعار الغاز في الولايات المتحدة، مع صافي مركز شراء للعقود الآجلة وعقود الخيارات بما يعادل 1,885 مليار قدم مكعبة.

تجنبت أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا أزمة النقص المخيفة في الغاز هذا الشتاء، ويرجع ذلك في الغالب إلى درجات الحرارة المعتدلة عبر نصف الكرة الشمالي. لكن ندرة المادة الحيوية لا تزال موجودة ولم تختف تماماً، وهناك ضرورة ملحّة لملء المخزونات بشكل غير عادي بين شهري إبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول لضمان ألاّ يستهل الشتاء موسمه القادم بنقص حاد. وبالتالي، ستكون إعادة بناء المخزونات المستنفدة هي الموضوع المهيمن في سوق الغاز العالمي وما يتبعه من أسواق فحم وكهرباء على مدى الأشهر الستة المقبلة.

في الجانب الأوروبي، يقال إن صناع السياسة الأمريكيين يبحثون في جميع أنحاء العالم عن مصادر بديلة للغاز في حال حدوث صراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا قد يهدد إمدادات خطوط الأنابيب إلى أوروبا. وتواصل كبار المسؤولين الأمريكيين مع منتجين منافسين آخرين، ومع الدول المستهلكة في آسيا، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وحتى الصين، بشأن تحويل شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. ومن المرجح أن تهدف الجهود الدبلوماسية إلى طمأنة صانعي السياسة الأوروبيين بشأن أمن الإمدادات، مع التلويح بفرض عقوبات اقتصادية صارمة. ولكن في حين أن البحث عن إمدادات بديلة له قيمة كبيرة باعتباره مسرحاً دبلوماسياً، فمن غير المرجح أن يؤدي إلى تحسين أمن الطاقة كثيراً في أوروبا وبقية العالم؛ إذ يعتمد أمن الطاقة على الأسعار بقدر ما يعتمد على توافره الفعلي، وأي انقطاع مستمر للإمدادات الروسية، التي توفر أكثر من ثلث الغاز الطبيعي لأوروبا، من شأنه أن يتسبب بارتفاع الأسعار المدمر في القارة، ارتفاع سيرخي بظلاله بلا شك على الساحل المقابل للأطلسي.

وفي حالة قيام نزاع بين الناتو وروسيا، فإن توازن الإنتاج والاستهلاك العالمي سوف يزداد سوءاً وسترتفع الأسعار أكثر لجميع المستهلكين في شمال غرب أوروبا وشمال شرق آسيا لأنهم يرتبطون مع بعضهم ارتباطاً وثيقاً بالفعل من حيث المصدر الموّرد.

* محلل الأسواق في رويترز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

محلل الأسواق في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"