عمر أبو سالم.. قصّة الشاعر المشرّفة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

عرفت عمر أبو سالم في العام 1985 أو 1986، للمرة الأولى حين استضافني في برنامج ثقافي إذاعي أو تلفزيوني إن لم تخن الذاكرة. وآنذاك، أعطى أبو سالم البرامج الثقافية في إعلام دبي جاذبية صوتية، إن جازت العبارة، بصوته الهادئ العميق وأدائه الإلقائي الممتلئ بالقوّة والوضوح، وبخاصة حين يقرأ أو يلقي الشعر، سواء في برنامج ثقافي أو في أمسية شعرية.
 وفي ثمانينات القرن العشرين كان الإعلام، لحسن الحظ، يولي الشأن الثقافي اهتماماً كبيراً سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات الثقافية، وسوف يُسجّل عمر أبو سالم دوراً مهماً في تلك اللحظة الثمانينية الثقافية في الإمارات على مستويين، أولاً: المستوى الشخصي فهو شاعر، وله العديد من المجموعات الشعرية، منها مجموعة بعنوان «وردة للوطن وقبلة للحبيبة» صدر عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في 1989، وعلى مستوى الإعلام الثقافي الحيوي الذي عمل فيه أبو سالم، وقبل ذلك، أحب هو الميكروفون الإذاعي، والشاشة التلفزيونية، ونجح فيهما، لكن في كل عمله الوظيفي هذا بقي مخلصاً للشعر، للقصيدة العمودية، ولقصيدة التفعيلة، ولم يكتب قصيدة النثر، ليس لأن لديه موقفاً رافضاً تجاه هذا الجنس الشعري، بل لأن طبيعته وثقافته الأدبية قامتا على أصول الشعر العربي الخليلي، العمودي، والتفعيلي.
كان عمر أبو سالم صديق شعراء تيارات الإبداع العربي بكل ألوانه وأطيافه، وقدّم عبر برامجه الثقافية الحوارية، أو تلك الإلقائية شعراء إماراتيين وعرباً من مختلف التوجهات التقليدية، والتراثية، والحداثية، وكان متذوّقاً رفيعاً للشعر، وقارئاً حاذقاً في الفكر والتاريخ والرواية، أما مهنياً، فكان محاوراً بارعاً، هادئاً دائماً، وصديقاً حميماً لضيفه، واحترامياً تماماً للمادة الأدبية، وناقداً لها بروح موضوعية دائماً.
عمر أبو سالم من جيل روّاد الإعلام الثقافي، والصحافة الثقافية، فهو كان متابعاً دقيقاً للقضايا الثقافية التي كانت تطرحها الصحافة الإماراتية والعربية المتخصصة في الفكر والأدب والفنون، وكان، رحمه الله، واحداً من المواظبين اليوميين على مجلس الشاعر الحيّ في ذاكرتنا الثقافية سلطان بن علي العويس، وكان العويس يحب عمر أبو سالم ويقدّره، شأن رجل المال والثقافة النبيل هذا في محبّته وتقديره للشعراء الإماراتيين والعرب المقيمين في الإمارات، أو ضيوفها المُرَحّب بهم دائماً في الإمارات.
عرفت عمر أبو سالم عن قرب، عرفت فيه أناقته الدائمة التي هي طبع وثقافة فيه، وعرفت فيه محبّته واحترامه الأصيلين لأصدقائه، وعرفت فيه حبّه الكبير للإمارات، وإخلاصه لعمله، وقبل وبعد كل ذلك إخلاصه للشعر.
خُلُق عمر أبو سالم الحضاري والرفيع هو خُلُق الشعر، أو خلق الذات البشرية الإنسانية التي تتشرّب حتى الأعماق روح الشعر، فتمنح هذه الأخلاقية العالية، ومعها أناقة الروح، وأناقة الكائن الجميل الذي هو الشاعر.
عاش عمر أبو سالم شاعراً، وغاب شاعراً، لكن الغياب في مثل هذه الروحية الأخلاقية والشعرية يتحوّل حضوراً معنوياً كثيفاً في الذاكرة، وفي المكان، وفي الأصدقاء الذين هم شهود عيان على طبيعة شاعر نبيل، أبقى وراءه قصّته المشرّفة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"