أموال ملائكة.. أم «شياطين»؟

16:20 مساء
قراءة دقيقتين

ليس جديداً القول.. إن الغرب بشقّيه (الأوروبي والأمريكي)، يمارس عادة لعبة المعايير المزدوجة في تعاطيه مع بقية العالم، وظهر ذلك جلياً في الأزمة الروسية - الأوكرانية التي تفاقمت، وتحولت إلى حرب بشعة على الأرض، بالتزامن مع حزمة عقوبات مشددة، لعزل روسيا، شملت جميع القطاعات باستثناء النفط والغاز.

العقوبات هي أسلحة سيادية، تتخذها الدول خلال الخلافات والحروب، ولا اعتراض عليها فهذا حقها، لكن حديثنا اليوم عن شمولها لأموال واستثمارات الأثرياء الروس الذين يقيمون في الغرب، وتحديداً في بريطانيا.

لماذا ذلك؟ يأتيك الجواب الجاهز، «لأن هؤلاء بنوا ثرواتهم من أعمال غير مشروعة، تشمل غسل الأموال، والاتجار بالسلاح والمخدرات والبشر، وأيضاً بسبب قربهم من الرئيس بوتين»، في إشارة إلى أن هذه الأموال تخص القيادة الروسية.

على فرض أن كل هذه الادعاءات صحيحة، فلماذا سُمح لهذه الاستثمارات أساساً بالتوافد إلى أوروبا وأمريكا؟ ألم تكن تعرف أجهزة رصد غسل الأموال والاستخبارات والأبحاث في الغرب مصدر تلك الأموال قبل الترحيب بها واحتضانها لعقود وسنوات؟

الآن فقط تحولت هذه الأموال وفي أيام معدودات من «أموال نظيفة» كانت تدور في فلك اقتصادات الغرب، وتوظف الآلاف وهي بعشرات المليارات إلى أموال «وسخة» ملوثة، لتتم معاقبتها ومصادرتها.

هل هذا يعني أن أي استثمارات في الغرب مهما كانت طريقة توظيفها سواء عبر شراكات أو مباشرة، أو تنوعت مجالاتها بين المال والعقار والإنتاج، هي استثمارات محفوفة بالمخاطر، بما في ذلك التحفظ عليها أو تعرضها للمصادرة، «إذا غضب الغرب على الدول القادمة منها تلك الاستثمارات»؟

بين ليلة وضحاها، وجد الأثرياء الروس أنفسهم في أسواق أوروبا وأمريكا «شياطين»، بعدما كانوا قبل أيام معدودات «ملائكة» ومن أصحاب الثروات والاستثمارات في الشركات والمؤسسات والأندية الرياضية.

 الغرب بالطبع قادر على إصدار القوائم والمعايير التي يريد، من خلال النظم التي وضعها بنفسه، ليصنف الدول والشركات والعالم كما يشتهي بين صاحب مال نظيف أو آخر مشكوك في نظافة نظمه المالية، ويريد تطبيق ذلك على بقية العالم دون دوله نفسها.. ازدواجية المعايير لا تبني نظاماً عالمياً مستقراً، وإنما حالة من التفاوت الصارخ والذي بدأت دول كثيرة واقتصادات كبرى التعامل معه بحذر. 

كل ذلك، يدفع بالكثيرين إلى الحذر الشديد في انتقاء خريطة الاستثمارات حول العالم، فهي مهما كانت تأتي في إطار التنوع أو العائد إلا أنها غير مضمونة، فهل المطلوب - كما حصل مؤخراً في الحرب التجارية بين أمريكا والصين - التحول إلى المحلي، والانطواء والاكتفاء بالاستثمار في الداخل الآمن والمربح؟ 

مسألة تستدعي التوقف عندها، فهي قد تؤثّر وبشكل كبير في حركة الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يفترض أنه استثمار فاعل، هدفه التنمية أينما وجد الأرضية الخصبة والبيئة الآمنة.. 

فهل هذه هي الرسالة التي يريد الغرب أن تصل إلى أثرياء العالم؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"