«مزحة» ترامب

00:57 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ليست المرة الأولى التي يدلي فيها ترامب بتصريحات مثيرة وأحياناً صادمة أو القيام بأفعال تتجاوز الخيال من نوع الحديث عن «عبقرية» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واتهام الكثير من زعماء العالم بالغباء، أو من نوع مقترحه الأخير لإنهاء الحرب الأوكرانية، ببساطة، عبر وضع أعلام صينية على طائرات أمريكية ثم قصف روسيا والتسبب بإشعال حرب روسية صينية، ما يؤدي، بطبيعة الحال، إلى إنهاء تلك الحرب.

 يصعب حصر تصريحات ترامب أو توقع أفعاله في كل المجالات إن كان في السياسة أو في الاقتصاد أو حتى في التعامل مع جائحة كورونا وغيرها، فقد سبق له أن قام بإهداء أراضي دولة مثلاً إلى دولة أخرى من دون أن يرف له جفن، ولم يتردد في إتلاف وثائق مهمة أخذها لدى مغادرته البيت الأبيض، أو إتلاف أدلة تتعلق باقتحام أنصاره مبني الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021 وما شابه. وفي كل ذلك، ينطلق ترامب من الجمع بين الخبرة والدهاء والشعور بالتفوق أو حتى «العبقرية» في التعامل مع القضايا المحلية والدولية، بلا قيود ولا قوانين، وهذه، في الواقع، جزء من أيديولوجيا شعبوية لها الكثير من المؤيدين على امتداد العالم. 

 المشكلة أن رجلاً بهذه المواصفات كان يقف على رأس أقوى دولة في العالم لمدة أربع سنوات، وقد يعود مجدداً للتربع على عرش البيت الأبيض وتسلم الزر النووي مرة أخرى باعتباره القائد الأعلى للقوات الأمريكية.. لا يمكن التنبّؤ بتصرفاته، وقد يكون لذلك تداعيات خطيرة على العالم بأسره. ومن ذلك مثلاً خطابه الأخير أمام أنصاره في نيو أورليانز، والذي اقترح فيه، ولو على سبيل المزاح، وضع الأعلام الصينية على طائرات «إف 22» الأمريكية وقصف روسيا بهدف إشعال حرب بينها وبين الصين، بينما سينكر الأمريكيون ذلك بالطبع، ويجلسون للتفرج والمراقبة، وهكذا، حسب اعتقاده، فإن الحرب الأوكرانية ستنتهي وسط ضحك وصخب الجمهور. 

 لكن «مزحة» ترامب، هذه المرة، قد تتعدى إشعال حرب بين روسيا والصين إلى اندلاع حرب عالمية جديدة، تتورط فيها الولايات المتحدة نفسها، وهي تدل على عقلية رجل لا يبالي بأية تداعيات عالمية، فضلاً عن عدم اهتمامه أصلا بأية قوانين أمريكية أو دولية. إذ إن القوانين الأمريكية تحظر استخدام شارات وأعلام الدول المحايدة، بينما القانون الدولي يحظر قطعاً مثل هذه الانتهاكات، وتنص اتفاقيات جنيف لعام 1949، على أنه «يحظر في نزاع مسلح استخدام الأعلام أو الشعارات أو الشارات أو الأزياء العسكرية للدول المحايدة أو الدول الأخرى غير الأطراف في نزاع».

 تلك هي مشكلة ترامب «العبقري والمتهور»، في آن، فهو يفترض أن روسيا لن تلاحظ مقاتلات «إف 22» المعروفة جيداً لديها، والروس يعرفون أن الصين لا تستخدم هذا النوع من الطائرات، فما الذي سيحدث عندئذ، سوى أن تدخل روسيا في حرب مع الولايات المتحدة بدلاً من الصين، وبالتالي سيجلس الصينيون للتفرج والمراقبة، هذا من دون احتساب تداعيات مثل هذه الحرب على العالم بأسره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"