عودة سوريا إلى النظام العربي

00:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبد الإله بلقزيز

كانت فكرة عودة سوريا إلى احتلال مكانها في النظام العربي الرسمي ومؤسسته (جامعة الدّول العربيّة) تُطِلّ باحتشامٍ، بين فينةٍ وفينة، منذ تبيّن للجميع أنّها نجحت في أن تُصفِّيَ معظم الجيوب التي فتحتْها الجماعاتُ المسلّحة في البلاد، فتعيد السّيطرة عليها وتُخضعها للدّولة، وتضع من تبقّى من المسلّحين في غيتو خانق (إدلب) تحت الحصار. عُدَّ ذلك، عند الجميع، محطّةً حاسمةً نحو الانتصار الكامل على الإرهاب، واستعادة الدّولة سيادتَها على الأراضي السورية كافّة.

 لم يسقُط النّظام، كما كان يبغي ذلك كثيرون، ولا تَفكَّك الجيشُ وانهار، ولا تشتَّتت سوريا مِزَقاً؛ بل سرعان ما استوعبت الهجوم المعاكس عليها، وتماسكت في وجهه، ثمّ شرعت في دحره بالتّدريج إلى أن فرضت عليه انكفاءة استراتيجيّة. هذا يكفي دليلاً، عند المعظم من العالم، على أنّ سوريّا تذهب حثيثاً إلى الحال التي كانت عليها قبل منتصف عام 2011؛ وهو يكفي - عند السّواد الأعظم من العرب - للقول إنّه آن أوان إنهاء تلك الحالة الشاذة التي مثّلها تعليق عضوية سوريا في جامعة الدّول العربيّة، وبالتّالي، آنَ أوان عودتها إلى النّظام العربيّ.

 لذلك، فإن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات مؤخراً واجتماعه إلى قادتها تشكل تحولاً في مسار العلاقات العربية مع سوريا ومن قبل زيارة وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة سموّ الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق واستقبله الرئيس بشار الأسد، زادت وتيرةُ الحديث عن دُنُوَ لحظة عودة سوريّا إلى الجامعة العربية.

 والذين استوقفتهم هذه الزّيارة، فرتّبوا على أمرها استنتاجات كثيرة، لم ينتبهوا إلى أنّ دولة الإمارات أعلنت، منذ نهاية عام 2018، عن استئناف علاقاتها الطبيعية مع سوريا، وإعادة فتح سفارتها في دمشق، في عزّ تشنُّج الموقف العربي الرسمي ضد سوريا. والأهم من هذا كله أن الإمارات نأت بنفسها عن الأزمة والحرب في سوريا، فلم تتدخل فيها، ولا دعمت جماعة مسلحة، ولا شاركت غيرها في الدعوة إلى تغيير النظام. وهذه جميعها مواقف يذكرُها السوريون للإمارات العربية المتحدة.

 كان لا بدّ للمتحدثين عن قرب عودة سوريا إلى الجامعة، إذن، أن يبحثوا عن قرائنَ أخرى غير زيارةٍ تبدو عاديةً تماماً في سياق العلاقات الإماراتيّة - السّوريّة. كان عليهم، مثلاً، أن يطالعوا الموقف الرسمي من سوريا لدى الدّول العربيّة التي وقفت ضدّ نظامها السّياسيّ، وأيّدت ما سمّته بالمعارضة؛ بل واستقدمتها إلى اجتماعات جامعة الدّول العربيّة وكادت أن تسلّمها مقعد سوريّا الرّسميّ! كان عليهم أن يتبيّنوا هل من جديد جَدَّ في مواقف هذه الدول وعدل منها في اتجاه تصحيح النظرة إلى سوريا، وإلى مكانتها الاستراتيجية في المنطقة والنظام العربي، وهل من تصريحات رسمية صدرت عن مراجعها العليا تدعو إلى طيّ صفحة الخلاف مع دمشق، ودعوتها إلى العودة إلى ممارسة دورها الطّبيعيّ في مؤسّسات النّظام العربيّ... كي يبنوا على هذه القرائن فرضيتَهم عن قرب عودة سوريا إلى النظام العربي الرسمي.

 كلنا نرغب بطيّ هذه الصفحة الحالكة، ونتطلع إلى استئناف سوريا دورها في محيطها العربي ومنظوماتها المؤسسية، وترى دولة الإمارات بأن غياب الدور العربي سمح للقوى الدولية والإقليمية بإدارة الملف السوري دون وجود أي حل في الأفق للأزمة الحالية.

 أنفقنا، في الوطن العربي، زمناً ضائعاً أخذ منا نيفاً وعقداً ونحن نخوض في متاهات لا أفق لها، فماذا كانت النتيجة؟ أخرجنا العفريت من القُمقُم وأطلقنا عِقاله ليبعث في داخلنا الاجتماعي والسياسي، فكان ما كان من موتٍ وقتْلٍ ودمارٍ وخرابٍ وتشريدٍ، ومن تمزيقٍ لنسيج المجتمع والأواصر، ومن استباحةٍ للسّيادة، ومن هدرٍ مجّانيٍّ للمال، ومن مكائدَ وأحقاد، ومن جراحات في النّفوس غائرة... ولم يصل أحد منا إلى تحصيل هدفٍ! الشيء الوحيد الذي أنتجناه من هذه الكربلاء العربية الجماعية وحصدناه من مأساتها أننا عدنا بأنفسنا، بمجتمعاتنا وشعوبنا، عشرات السنوات إلى الوراء، وهدمنا بمعاولنا ما بنيناه لعقود من الزّمن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"