السيادة الوطنية والأمن

01:08 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

د.ناجى صادق شراب

الحرب الأوكرانية ليست كأي حرب عادية، فهي حرب نصف عالمية عسكرياً وشبه عالمية في تداعياتها الاقتصادية والتغيرات السياسية بالنسبة لصورة التحالفات الإقليمية والدولية المستقبلية وبينة النظام الدولي.

فما قبل هذه هذه الحرب ليس كما بعدها. ولعل من أخطر تداعياتها المباشرة هي حق الدول في ممارسة سياساتها الداخلية والخارجية بما يتوافق والحفاظ على حدودها. والمقصود أن الدولة القوية قد تحد من سيادة الدولة الأقل قوة وخصوصاً المجاورة منها. وهي قاعدة ستدفع لحالة من الفوضى الدولية غير المسبوقة في العلاقات الدولية، وقد تشجع الكثير من القوى الطامحة إقليمياً ودولياً على ممارسة الفعل نفسه تحت ذريعة ما يعرف بالأمن والمجال الحيوي الذي يتعارض ويتناقض مع مفهوم سيادة الدول. وقد تأسس مفهوم السيادة مع مؤتمر وستفاليا عام 1648 والذي بموجبه قام مفهوم الدولة الأمة كلاعب وفاعل دولي أساسي. وهذه السيادة قامت عليها المواثيق الدولية من جانب عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة والتي تؤكد في ميثاقها أن أحد شروط قبول الدول أعضاء هو استقلالها الكامل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، والالتزام بمبادئ الحوار والتفاوض والوساطة لحل المنازعات الدولية. هذه الأسس والمبادئ لم تعد قائمة منذ أمد بعيد من خلال الحروب التي شنتها الولايات المتحدة ضد العديد من دول العالم من دون مسوغ قانوني دولي أو إنساني، وأيضاً من خلال الحرب التي شنتها روسيا ضد الجارة أوكرانيا. هذه الفرضية هي التي قد تحكم العالم بعد هذه الحرب. وهذا يتطلب دوراً كبيراً من الأمم المتحدة لوضع حد لتجاوزات القوة المفرطة واحترام سيادة الدول.

إن خطورة الحرب الأوكرانية تكمن في أنها تقع في قلب القارة الأوروبية، لذلك فتداعياتها ستتجاوز حدود القارة، وهي حرب ستفرض على جميع الدول أن تعيد النظرفي حساباتها، على الرغم من بعض الآراء التي ترى أن العولمة قد خففت من حدة السيادة المطلقة، ولم يعد المفهوم التقليدي قائماً نتيجة التدخلات العابرة للحدود وتزايد اعتماد الدول على بعضها.

لكن، وعلى الرغم من حق أوكرانيا السيادي على أرضها، فمن المفترض في الوقت نفسه أن تكون حريصة على أمن روسيا، جارتها الكبرى، وأن لا تشكل تهديداً لأمنها القومي من خلال الانضمام إلى حلف عسكري يتوسع شرقاً باتجاه الحدود الروسية، وأيضاً العمل على توثيق العلاقات معها بما يحقق المصالح السياسية والاقتصادية للطرفين.

إن مبدأ حق سيادة أوكرانيا على أرضها يجب أن يقترن أيضاً بمبدأ عدم تهديد سيادة روسيا وأمنها القومي، لأن السيادة هنا تصبح أداة تستخدم لتبرير أي عمل غير مشروع يستهدف روسيا.. والأمر ينطبق على جميع الدول أيضاً.

هذا النموذج نجد مثاله في رفض إسرائيل لقيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة، وفي الوجود العسكري الأجنبي في سوريا، وفي الحرب الأمريكية على العراق وإسقاط نظام الحكم فيها وتحويل العراق لدولة ضعيفة تعاني من مظاهر التفكك والإرهاب، وأيضاً في ليبيا بوجود قوات أجنبية ومرتزقة، وكلها ممارسات تمت خارج القانون الدول وانتهكت سيادة دول أخرى.

هذه مجرد نماذج عن حالة سقوط مفهوم السيادة في عالم يحكمه منطق القوة، والإزدواجية في معايير تطبيق القانون الدولي ومعه مفهوم السيادة.
drnagishurrab@gmail.com

عن الكاتب:
أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية