التملص من العقوبات الغربية

21:52 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

بعد انقشاع حمى «الفزعة» الأوروبية والأمريكية «لنصرة» أوكرانيا قبالة روسيا على خلفية الحرب التي بدأتها روسيا ضد أوكرانيا، وتحولت عملياً إلى حرب روسية - أطلسية، حيث صار الهمس ثم الحديث، ممكنين، يمكن سماعهما هنا وهناك من قبل أرباب العمل الأمريكيين والأوروبيين «المتضررين» من القرارات التي دفعتهم دفعاً من قبل ساسة بلدانهم لترك السوق الروسية على طريقة الأعرابي الذي «باع الجمل بما حمل»، وإذا بهم يكتشفون الخسائر التي لحقت بهم جراء تعجل خروجهم غير المنظم من السوق الروسية. فقيل لهم إن ترك السوق الروسية، ليس فقط من أجل المال وإنما من أجل الأخلاق أيضاً. فاستغربوا من الحضور المفاجئ للأخلاق في «البزنس» الذي تدير عملياته الشركات والبنوك الغربية بمليارات الدولارات في السوق الروسية.

شركات وبنوك وصناديق استثمار وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه. من ذلك على سبيل المثال صندوق التحوط التابع ل«إتش إس بي سي» والذي يدير استثمارات لشركة الاستثمار LetterOne Holdings الروسية التي أسسها اثنان من المليارديرات الروس الخاضعين للعقوبات وهما ميخائيل فريدمان وبيتر أفين، بلغت قيمتها حتى نهاية عام 2020 حوالي 547 مليون دولار، فيما تدير «بلاك ستون» استثمارات لصالح نفس الشركة الروسية بقيمة 435 مليون دولار. 

كما تدير شركة Pamplona Capital management، وهي شركة استثمارية يملكها رجل الأعمال البريطاني من أصل روسي ألكسندر كناستر Alexander Knaster، استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار من أموال LetterOne. وعلى ذمة وكالة بلومبيرج الأمريكية، فإن هذه الشركة قد بدأت في إعادة هذه الأموال إلى شركة LetterOne. الجدير بالملاحظة هاهنا، أن في ظل الدخان الكثيف المتطاير من صوب الحرب الإعلامية، فإن من الصعب الوثوق في المعلومة الصادرة من طرفي الصراع.

وقد وجدت الشركات الكبيرة صعوبة في ترك السوق الروسية على النحو الذي طُلب منها تنفيذه على الفور. ولربما اهتدى بعضها للتحايل على هذا المأزق، من خلال التعلل بتعقيدات فض الشراكة مع الشريك المحلي. وهذا ما دفع به المستشارون والمحامون والمدققون المحاسبيون. فتعللت شركات المحاسبة الأربع الكبرى ديلويت و«كيه إم جي» و«بي دبليو سي» و«إي واي»، بأنها بحاجة إلى التفاهم مع الشركاء الروس المحليين الذين يحوزون ملكية فروعها في موسكو؛ كما دفعت بأن في وسع تلك الكيانات الروسية الاستمرار في العمل مع عملائها، إنما من دون الوصول إلى الشبكة العالمية للشركة. وهذا ما أكد عليه آشيش ناندا، كبير المحاضرين في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، حيث قال إن عملية الانفصال لن تكون سريعة، بل إنها ستتعقد على الأرجح. والأرجح أيضاً أن تواصل الشركات الأجنبية عملها مع السوق الروسية عبر بوابات أخرى، مثل المكسيك وكازاخستان ومراكز مالية متقدمة أخرى. وأيده في ذلك نيك لوفجروف، أستاذ الإدارة في كلية ماكدونو للأعمال في جامعة جورجتاون الذي قضى 30 عاماً مع شركة ماكنزي، بقوله «إنها عملية حسابية معقدة بشكل مؤلم».

ويبدو أن نفوذ هذه الشركات يشفع لها بالحصول على تسويغات إعلامية مشفرة، من قبيل ما أسمته «ضرورة التفريق بين دعم هذه الشركات (الغربية) لشركائها وموظفيها الروس، والتزاماتها الحالية، وبين علاقاتها بالدولة الروسية.

شركة ماكينزي نفسها التي قالت إنها ستوقف عملها حالياً مع الكيانات الحكومية الروسية فقط، ولن تدخل في مناقصات عمل جديدة، عادت لتؤكد بأن مكتبها في موسكو سيبقى مفتوحاً، بعد أن تبيّنت على ما يبدو أن منافسيها مثل «بين آند كومباني» (شركة استشارات إدارية أمريكية مقرها في بوسطن عاصمة ولاية ماساتشوستس)، ومجموعة بوسطن الاستشارية الأمريكية (بي سي جي)، شركة استشارات إدارية عالمية لها مكاتب في 42 دولة، مقرها الرئيسي في بوسطن أيضاً، قد اتخذت مواقف مماثلة.

وسوف يزداد الأمر تعقيداً في ضوء قرار الحكومة الروسية الذي قضى بإجبار مستوردي الغاز الروسي الأوروبيين (الدول ال 48 التي صنفتها موسكو كدول غير صديقة)، على تسديد قيمته بالعملة الروسية «روبل». وكذلك قرار البنك المركزي الروسي يوم 25 مارس 2022، بفرض قيود على حركة تحويل الأموال إلى الدول غير الصديقة بمبلغ مماثل للاحتياطيات والأصول الروسية التي جمدتها هذه الدول. وهو ما يعني وقف تحويل الأرباح والفوائد التي تحققها الشركات والبنوك والمؤسسات الغربية من نشاطها في السوق الروسية، أي الحجز عليها عملياً، وبصورة تراكمية بما يساوي الأموال والأصول الروسية التي جمدتها الحكومات الغربية المقدّرة بحوالي 300 مليار دولار. وهو ما يرجح إعادة نظر بعض الشركات الغربية في قراراتها المتسرعة بوقف التعامل مع اقتصاد الدولة الروسي. فالعلاقات الاقتصادية الدولية، تثبت من جديد أنها موضوعية الطابع، لا تخضع لمشيئة ورغبات الأفراد.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"