ما بعد العولمة

01:35 صباحا
قراءة دقيقتين

هل أزفت العولمة من نهايتها، هي التي حسبناها، أو للدقة حسبها الكثيرون منا، نهائية وفاصلة، ولا عودة عنها، مصدقين ما قاله فوكاياما من أن «نهاية التاريخ» مرتبطة بها؟ وهناك من وصف ذلك بالقول بأن «العولمة أعلى مراحل الراسمالية»، فلا مرحلة تالية بعدها، وإنما استمرارية لها، فإذا ما يحيط بنا من تطورات، ابتدأت أولاً بالتحديات التي طرحتها، وربما لا تزال تطرحها، جائحة «كورونا»، لتبلغ ذروتها في الجو الدولي الناشئ بسبب الحرب في أوكرانيا، التي لم تعد، في الجوهر، حرباً بين الجيشين الروسي والأوكراني، وإنما هي، وبامتياز، حرب بين روسيا من جهة والغرب مجتمعاً من ناحية أخرى، سيكون لها من النتائج الشيء الكثير.
هل نحن على وشك الدخول في «ما بعد العولمة»، في ظل الحديث المتزايد عن تفككها، خاصة مع حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد وارتفاع في التكاليف ونقص في المعروض، على نحو ما يشير تحليل رصين نشره موقع «دي. دبليو» الألماني، يرى كاتبه «أن العالم يقترب من نقطة تحوّل صوب حقبة (بلا عولمة) ما يثير تساؤلات حول النظام الذي سيشكله العالم الجديد»، بعد تفكك تلك العولمة؟ المختصون، خاصة في مجال الاقتصاد، يرجعون بدايات «تفكك» العولمة، أو تراجعها إلى الأزمة الاقتصادية والمالية الكبرى التي عرفها العالم في العام 2008، فبينما أدت العولمة إلى زيادة الترابط الاقتصادي، فإن ظاهرة «التخلص من العولمة» تشير إلى تراجع عن التكامل الاقتصادي العالمي، وإلى المزيد من الانكفاءات.
وفي هذا المجال لا بأس من التذكير بالسياسة الاقتصادية التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الرامية إلى تركيز الاهتمام الاقتصادي بالداخل الأمريكي، وتحرير واشنطن، ما أمكن، من أعباء الالتزامات الخارجية، التي عنها تنجم أعباء مالية لا طاقة لأمريكا بها، وسياسة مثل هذه قد تعود بقوة في حال عاد الجمهوريون إلى الحكم في الانتخابات القادمة.
وليس منفصلاً عن هذا تنامي الاتجاهات المعروفة ب «الشعبوية» في الكثير من البلدان الأوروبية، التي تدعو لمغادرة الاتحاد الأوروبي، أو الحدّ من الالتزامات التي تفرضها العضوية فيه على الدول الأعضاء، ولافت أنه في ذروة الأزمة الأوكرانية واشتعال الحرب، يحقق هذا الاتجاه نصراً مبيناً في الانتخابات في بلد أوروبي شرقي، وليس من غرب أوروبا، بكل ما في ذلك من دلالات، هو المجر.
أشياء كثيرة تتغير في عالمنا اليوم، وقد يكون مبكراً الجزم بطبيعة مجراها، لكن المؤكد أن الترابط الاقتصادي العالمي الذي عُنون ب«العولمة» لم يعد بالتماسك الذي كان عليه، وأن «نهاية التاريخ» التي جرى التبشير بها، ما هي إلا بداية لعصر جديد آتٍ لا ريب فيه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"