«لايك» بلا «محتوى»

00:50 صباحا
قراءة دقيقتين

لطالما كانت الشهرة في السابق تحصيل حاصل لمنتج فكري أو علمي أو فني، وما إلى ذلك من مجالات الحياة، كما في التمثيل أو الغناء، وكانت ذائقة الناس وتقبلها لهذا دون ذاك، مفتاح سر نجاح شخص ما دون آخرين.

ومرد هذا النجاح أسبابه كثيرة، من المحتوى الجميل أو الفكاهي، أو العلمي، وسمات الشخصية اللطيفة والمتواضعة، والمقبولة لدى الناس. وكان الناجحون في «أيام زمان» لا يعرفون حجم نجاحهم، وكثير منهم مات ولم يعرف مقدار حب الناس لهم أو مستوى تألقهم، فلم يكن في حياتهم «لايكات» ولا متابعون على حسابات التواصل أو المنصات الرقمية، التي ينشغل بها الناس اليوم ليل نهار.

هل يعرف مثلاً الفنانون أمثال، دافنشي أو بيكاسو أو سلفادور دالي أو غويا وغيرهم الكثير، أن أعمالهم مازالت حية، وأن حضورهم في متاحفنا أكثر بكثير من حضورهم شخصياً في حياتهم؟ 

هل يعرف الكثير من الكتاب والشعراء والروائيين والفنانين مقدار تأثيرهم فينا حتى يومنا هذا، ومقدار حبنا لهم حتى بعد أن فارقوا الحياة؟

هل هناك إحصائية لحجم المليونيرات الذين ماتوا بسبب سوء أحوالهم المعيشية، وأصبحت لوحاتهم أو أعمالهم الآن تباع بعشرات أو مئات الملايين في دور المزادات، وهم لم يتوافر لهم في حياتهم أدنى مستويات المعيشة أو الحياة العادية؟

إذن، الشهرة أو النجاح، لم يكونا هدفاً مجرداً سعى إليه كُثُر، ولكنهما كانا حصيلة لمحتوى وفكر وعمل واجتهاد ومحبة، حولت بعضهم نجوماً وهم أحياء وآخرين بعد رحيلهم.

ولكن إذا تحدثنا اليوم، عن نجوم مواقع التواصل الذين يدلفون إلينا بأي شيء، مقابل أن يعرفهم الناس، ويحصدوا أكبر عدد من الإعجابات أو المتابعين، ومن ثم، تفتح لهم الأبواب وصدور البيوت وحتى المطارات، ومنهم من يعلن عبر حسابه في «تويتر» عن موعد هبوطه في مطار معيّن، ويتسبب في حالة إرباك كبيرة لهذا المطار، قد تلحق به شيئاً من الفوضى.

للأسف الشديد، فإن الإقبال على مواقع التواصل، وبأي محتوى، أصبح هدف الكثير من الشباب، وأصبح المحتوى الممزوج بالسطحية، مادة تذاع على منبر من لا منبر له، وأصبح المحتوى البصري أيضاً، كالرقص والغناء المجرّدين من دون «محتوى»، أقل ضرراً علينا ممن يدلفون علينا بمحتواهم السطحي.

ومثلما تعدّ مواقع التواصل منصّةً إعلاميةً تُمكّن الأشخاص من التعبير عن آرائهم بحريّة، متجاوزين قوانين المحظورات، وهذا أمر حقيقي في بعض الدول، فإنها تُؤثّر بشكل كبير في ثقافة المُجتمع، واقتصاده، ونظرته للعالم أيضاً، وإذا بقيت دفة هذا المنبر العالمي بيد من لا «محتوى» أو «فكر» له، غير جمع «لايكات»، فإننا سندفع الثمن مستقبلاً بجيل في غاية السطحية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مساعد مدير التحرير، رئيس قسم المحليات في صحيفة الخليج

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"