زايد المؤسس

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

عدد رؤساء وقادة الدول أكبر من يُحصى، ولكن قلة منهم أولئك الذين حقّ أن نطلق عليهم وصف «القادة المؤسسين»، وبين هؤلاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي إليه يعود الفضل الأكبر في تأسيس وقيام دولة الإمارات، وقيادتها في العقود الأولى من تأسيسها، مع إخوته من حكام الإمارات، لتغدو على ما أصبحت عليه، دولة اتحادية مستقرة ومزدهرة، لها مكانتها عربياً ودولياً.
والشيخ زايد حاضر كل يوم في وجدان شعبه، إن في حياته أو بعد رحيله، ولكن ذكرى وفاته السنوية في التاسع عشر من هذا الشهر الفضيل مناسبة لاسترجاع مسيرة هذا القائد الفذ، وكانت خطوة موفقة من الدولة أن اختارت هذا اليوم بالذات، من كل سنة، ليكون «يوم زايد للعمل الإنساني»، وفي ذلك وفاء لواحدة من صفات الشيخ زايد النبيلة؛ فهو الذي امتدت أياديه البيضاء لعون الأشقاء العرب، ولتصل إلى بلدان أخرى في العلم الإسلامي، وفي العالم، فما أكثر البلدان التي نجد فيها مدناً ومستشفيات ومدارس وسدوداً تحمل اسم الشيخ زايد، امتناناً من أهل تلك البلدان له وللإمارات.
هناك لحظة في تاريخ كل شعب وأمة، قد لا تتكرر، أو لا تتكرر بسرعة، يتعين استثمارها ليؤسس هذا الشعب، أو تلك الأمة، تاريخاً جديداً لها، يأخذ بها نحو المستقبل، لكن هذا لا يحدث من تلقاء نفسه، إنما بتوفر الإرادة والقيادة التي تجسد تلك الإرادة، والإمارات كانت محظوظة بأن قيّض الله لها قائداً من هذا النوع، نجح في بناء دولة الاتحاد، وفي تشكيل الهوية الوطنية الإماراتية التي تجد اليوم تجلياتها في كافة المجالات، الاقتصادي منها والاجتماعي والثقافي وغيرها؛ لأنه وعى، ومنذ البداية، مستلزمات وشروط التأسيس والبناء، وعمل على توفيرها، عبر منظومة خدمات واسعة النطاق نقلت حياة المواطنين والمقيمين إلى مستويات مختلفة نوعية، وعبر سياسة خارجية مسؤولة ومتوازنة، وضعت وحدة الصف العربي في مقدمة الأولويات.
وإذا كانت غايات زايد وإخوانه على صعيد الوطن الإماراتي تحقيق الرفاه والعزة والسعادة لأبناء الوطن والمقيمين فيه، وعلى الصعيد الخليجي تعزيز وتوطيد أوجه التعاون والتنسيق والتكامل بين بلدان المنظومة الخليجية، التي لم تكن مجرد مصادفة أن يعلن عن تشكيل مجلسها في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات، فإن الشيخ زايد عرف بحكمته ودوره الوازن في تحقيق تضامن العرب، وفي تجاوز الخلافات وأوجه الشقاق بين الأشقاء، فيما وجه البعد الدولي لسياسة الدولة نحو تعزيز قيم السلم والتعايش بين الدول المختلفة، والانفتاح على الثقافات المختلفة.
رغم رحيله عن دنيانا، فإن زايد لا يغيب؛ فهو باقٍ في أفئدة وعقول أبناء شعوب وأمته.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"