حواريّة التردّي الكوميدي

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: ما رأيك في الأعمال الكوميدية العربية، في السنوات الأخيرة، حتى شهرنا الفضيل؟ كيف حالها؟ هل تعاني، سلمت يدها، بعض الأعراض والأمراض، وهل تجدي في علاجها تقانات الرقم والافتراض؟ قال: اطمئن، فهي لم تفارق الحياة بعد. لا تزال تتنفس، ولها طاقةٌ لا بأس، فهي تخبط وترفس. غير أن من يشاهدها يعبس، يتوسوس ويتهوجس ويتهلوس، لأنه لا يعرف بماذا ينبس، هل يدعو بالويل والثبور أم يخرس؟ قلت: كن منصفاً، فإن العادل لا ينتقص ولا يبخس، فقساوتك جعلت أنفاسي تُحبس، ولم أعد أدري أنحن نتطارح الملهاة أم المأساة الأتعس؟ ليتني اشتممت منك الشطط وآثرت أن يستلقي ذهني وينعس.
قال: لعله غليان رغبة في صلاح الأمور، ولو أن ذلك عسير. الآن لقد هدأ غضبي، وسألتزم أدبي. هل يرضيك قولي إن الإنتاج الكوميدي لا عيب فيه سوى أن بعض المنتجين لا يدركون ما هي الكوميديا؟ هذه في حدّ ذاتها تراجيديا. كيف فاتهم الاغتراف من سلسبيل عيون الأدب الساخر ومناهل الكوميديا من اليونان والرومان، إلى متحف روائع السخرية المشعة عند أبي العلاء والجاحظ ومثالب التوحيدي، وصولاً إلى الفرنسي موليير، ومنه إلى مكتبة تعجّ وتضجّ ببدائع أوروبا الشرقية والغربية، إلى ما وراء المحيط الأطلسي.
قلت: من الضروري أن يلمّ المتطلّعون إلى الإنتاج، قبل خوض غمار الإبداع، بالنظرية في الفنون، بفلسفة الفن وفلسفة الجمال. إذا لم يأخذوها بجرعات عالية في معاهد الفنون الجميلة، فعليهم تحصيلها، قبل الصعود إلى هاوية الهبوط. يكفي أن يدرس الشخص كتاب «الضحك»، للفيلسوف الفرنسي هنري برجسون، لكي يكتسب مناعة جيّدة ضدّ الابتذال. مصيبة، أن يكونوا اطلعوا عليه ولم تنفع مضاداته الحيوية في ما هم به مبتلون.
قال: في رمضان هذا، يعرض بعضهم «كاميرا خفيّة»، كل يوم في المطعم نفسه، القصة والسيناريو عبارة عن استمارة، كل يوم ركلات، لكمات، ملل، كل يوم صاحب المقلب يدعو ضيفاً إلى الطعام، ويغادر ليغسل يديه، يظهر على الشاشة أن ساعتين مرّتا، كل المحور ضارب ومضروب مع النادل الذي يطالب الضيف بالفاتورة، ثم يظهر الشخص ليعلن أنه مقلب! المسألة لا تستحق ولا حتى سطراً. تردد القلم كثيراً لأنه لم يسبق له التطرّق إلى تفاصيل مثل هذا الانهيار، لكن التردّي بلغ ما ليس له قاع ولا قرار.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: حين تغدو الكوميديا مأساة، فإن شرّ البليّة لا يضحك.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"