عادي

المسلم وغيره سواء في حرمة الدم

23:05 مساء
قراءة 4 دقائق
1

لم يشهد التاريخ الإنساني رجلاً عظيماً مثل رسولنا الكريم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يكن صاحب رسالة عظيمة وحسب، وإنما كانت سيرته ومسيرته التي امتدت نحو ثلاثة وستين عاماً، أنموذجاً فريداً لرسول عظيم، ونبيٍّ كريم، وقائد مُلهَم، وإنسان بلغ من الصدق والأمانة والرأفة والرحمة والتسامح مع الآخر مبلغاً لم يصل إليه أحد من العالمين، ولِمَ لا وقد قال الله في شأنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 4 5]

لقد كرَّم الخالق، سبحانه وتعالى، الإنسان، وفضَّله على سائر المخلوقات، فقال جلَّ شأنه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (الإسراء: 70)، وخاطب الناس جميعاً بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» (النساء: 1).

وعلى هذا النهج الربَّاني، سار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: «أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس». وقال في آخر خطبة له بحجة الوداع: «أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى».

وإذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتمدت الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، عام 1948، والذي يُعدُّ الوثيقة الأكثر ترجمة في العالم، حيث تُرجِم إلى أكثر من 500 لغة، فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أرسى مبادئ حقوق الإنسان على مستوى العالم كله، منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام؛ فالرجل الذي يقف لجنازة يهودي؛ احتراماً له كإنسان، قائلاً: «أليست نفساً؟» هو لا شك رجل عظيم، والرجل الذي يدافع بكل قوته عن حقوق «الآخر» هو لا شك رجل عظيم، قال: «ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة».

وهناك كثير من المواقف في حياة الرسول التي أرسى فيها حقوق الإنسان، قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، ومن ذلك: حق الإنسان في الحياة، حيث نهى رب العالمين عن قتل النفس إلا بالحق، قال تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ »(الأنعام: 151)، وجعل، سبحانه، إزهاق الروح جريمة ضد الإنسانية كلها، قال تعالى: «أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة: 32)، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: القاتل، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة»، وقال في حديث آخر: «لَزَوال الدنيا أهْون على الله مِن قتل رجل مسلم»، وعن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال رسول الله: «مَن أعان على دم امرئٍ مسلم بشطر كلمة، كُتِبَ بين عينيه يوم القيامة آيس مِن رحمة الله».

والمسلم وغير المسلم سواءٌ في حرمة الدم واستحقاق الحياة، فعن عمرو بن العاص أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «مَن قَتل معاهداً لم يرَحْ رائحةَ الجنةِ»، وفى رواية أخرى: «مَن قَتل قتيلاً مِن أهل الذمة حرَّم الله عليه الجنة».

 بل إن رسول الله نهى عن ترويع الإنسان المسلم، فقال:«لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً»، وفى رواية أخرى: «لا تروِّعوا المسلم؛ فإن روعة المسلم ظلم عظيم»، بل إنه صلى الله عليه وسلم يحفظ للإنسان كرامته بعد موته، فقد قال لمن أراد أن يكسر عظم ميت: «لا تكسره؛ فإن كسرك إياه ميتاً ككسرك إياه حيّاً».

ومن حقوق الإنسان التي أقرها صلى الله عليه وسلم، المساواة؛ فقال: «ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، كما أنه لا فرق بين إنسان وآخر في العقوبة مهما تكن منزلة الجاني، حيث أعلن، صلى الله عليه وسلم: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقتْ لقطعتُ يدها».

 وأقرَّ صلى الله عليه وسلم للإنسان حق العدالة، وبدأ بنفسه، فعن الفضل بن العباس، أن النبي صعد المنبر في مرض وفاته فقال: «أيها الناس، مَن كنتُ جلدتُ له ظهراً فهذا ظهري فليستقِدْ منه، ومَن كنتُ أخذتُ له مالاً فهذا مالي فليستقِدْ منه، ومَن كنتُ شتمتُ له عرضاً فهذا عرضي فليستقِدْ منه، لا يقولنَّ رجلٌ إني أخشى الشحناء مِن قِبَل رسولِ الله، ألا وإن الشحناء ليست مِن طبيعتي، ولا ِمن شأني، ألا وإن أحبَّكم إليَّ مَن أخذ حقّاً كان له، أو حلَّلني، فلقيتُ الله وأنا طيِّب النفْس». ووضع، صلى الله عليه وسلم، أساساً للحكم بين الخَصميْن، فقال لمن يتولَّى الحكم والقضاء بين الناس: «إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضيَنَّ حتى تسمع مِن الآخر كما سمعت مِن الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء».

وأقرَّ رسول الله للإنسان حقه في حرمة الحياة الخاصة، فقال: «إنما جُعل الاستئذانُ مِن أجل البصر»، وقال في حديث آخر: «لا تأتوا البيوت من أبوابها، يعنى مواجهة تجعل القادم يكشف ما في البيت، ولكن ائتوها مِن جوانبها، فاستأذنوا فإن أُذن لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا».

أما حق الإنسان في حرية الاعتقاد، فلا يوجد نص يكفله للإنسان أعظم من قول الله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» (البقرة: 256)، وقوله تعالى: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»(الكهف: 29).

وصان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حقوق الأقليات في المجتمع المسلم، وحث على حسن معاملة أهل الكتاب، والبر بهم، والتسامح معهم، ومراعاة حقوقهم، وأنه لا فرق بين المسلم وغير المسلم في حرمة الدم، فقال في الحديث الذي رواه البخاري، عن عمرو بن العاص: «مَن قتل معاهداً لم يرَحْ رائحةَ الجَنَّة».

كما أقر الرسول للإنسان حق حرية الرأي والتفكير؛ فالأمر شورى، وكذلك حقوق المدنيِّين والأسرى أثناء الحروب، فكان يوصي أصحابه وقادة جيوشه بقوله: «لا تغدروا، ولا تغلُّوا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع» وفي رواية أخرى: «لا تقتلوا وليداً، ولا امرأة، ولا شيخاً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"