عادي

50 عاماً يبحث في النفس البشرية

21:24 مساء
قراءة دقيقتين
فرويد

الشارقة: «الخليج»

يوضح كتاب فرويد «ما فوق مبدأ اللذة» ترجمة إسحاق رمزي، أن سيجموند فرويد قضى ما يقرب من خمسين سنة باحثاً ودارساً ومستقصياً مظاهر النفس الإنسانية، حتى استطاع أن يظفر باعتراف العالم كله بفضله، داعياً إلى إقامة «التحليل النفسي» صرحاً من صروح العلم الحديث، وأصبح خير طريقة لعلاج الأمراض النفسية وبعض الأمراض العقلية؛ بل لعلاج طائفة من الأمراض البدنية التي تصدر عن النفس لا البدن.

كان كل رأي جديد يعلنه فرويد على الناس يقابل بالاستنكار والمعارضة والسخرية والتشكيك، غير أن الأمر كان ينتهي المرة بعد المرة إلى هدوء العاصفة، وإلى تحول المعارضة إلى نقيضها، وإلى قبول حجته الرصينة وزيادة تقبل آرائه والاعتراف بنظرته الثاقبة.

كان أهم ما استغرق فرويد من الناحية النظرية هو التعرف إلى الأسس الأولية للسلوك الإنساني، تلك الأسس الفطرية التي تسبق كل تعلم، يولد بها الإنسان، وتنطوي عليها نفسه، فتدفعه إلى كثير مما يصدر عنه من ألوان المشاعر وأشكال التفكير ومظاهر العمل والسلوك، ولم يكن فرويد وحيداً بين علماء النفس في الاهتمام بذلك الجانب من البحث، فقد انصرف الكثير من العلماء المعاصرين إلى دراسة تلك الدوافع الفطرية عن طريق الملاحظة والنظر والتجريب. ودار نقاش طويل حاد بينهم عن تعريفها وتحديد مداها وتفنيد أشكالها، وكثرت المناقشات حول طبيعة هذه الدوافع وأصولها، واختلفت الأسماء التي أطلقت عليها فسميت بالغرائز والميول والحاجات والحوافز، لكن الواقع أن أكثر الخلاف كان لفظياً كما كان أهمه يدور حول عدد هذه الدوافع ومدى تأثيرها في سلوك الكائن الحي.

كانت فكرة الغريزة أساسية لتفسير السلوك، على الرغم من بعض الخلاف عن مدى سيطرتها وتغلغل أصولها، ولم يكن فرويد يعتبر أن بحثه في الغرائز هو المهمة الأساسية التي أخذ على عاتقه القيام بها في حياته العلمية، التي كانت تهدف إلى تفسير بعض الظواهر النفسية المعينة التي كانت تحيره، وتجتذب انتباهه، تلك كانت على الأخص الاضطرابات النفسية والأحلام، وكانت دراساته للغرائز أول الأمر دراسة جانبية اعترضت أبحاثه ثم أخذت شيئاً فشيئاً تستغرق انتباهه واهتمامه، ولم يشرع في بناء نظرية محددة المعالم إلا بعد ما يقرب من 30 سنة من البحث المتصل.

وعلى الرغم من أن بحوث فرويد كانت تدور حول الغريزة فإنه لم يغفل أن هناك ناحية أخرى في النفس تنصرف إلى المحافظة على الذات والكفاح في سبيل الحياة، فأقام مجموعة أخرى من الغرائز هي غرائز الأنا، وقرر أن الأساس في الأمراض النفسية هو الصراع الذي يقوم بين الميول الجنسية وبين ما تفرضه الأنا، وإذا به يخرج على الناس في عام 1914 بكتاب به حل لهذه المشكلة هو «ما فوق مبدأ اللذة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"