حنين إلى مسرح العائلة في العيد

00:03 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

في 13 مايو/ آيار العام الماضي، وفي مثل هذه الأيام الاحتفالية المباركة كتبت في هذا المكان مقالة بعنوان «أين مسرح العيد؟؟»، وأشرت، باختصار، أن الثمانينات والتسعينات في الإمارات عَرَفتْ ما يمكن أن يُسمّى «مسرح العيد» أو «عروض العيد».
واجتهدت في مقالتي تلك بوصف ذلك المسرح بـ «مسرح العائلة»، فقد كانت العوائل والأسر الإماراتية تذهب إلى المسرح في عروض أيام العيد الثلاثة، وكان المسرح يلبّي حاجة الجمهور للفرجة العائلية الجماعية وما تتضمّنه تلك الفرجة من ثقافة مسرحية نخبوية وشعبية، فالمسرح، آنذاك قبل أربعة أو ثلاثة عقود الفضاء «التسلوي» الوحيد، فلم تكن دور السينما منتشرة كما اليوم، بل السينما لم تكن فناً متوفراً كما المسرح، فضلاً عن أن السينما لم تكن فناً شعبياً مُعْتاداً مثل المسرح الذي بدأ أصلاً في الخمسينات والستينات في الإمارات من الفريج ومن الروح الجماعية التي كانت تصنع المسرح بدءاً من خشبته وانتهاء بتحضير «النصّ» والتمثيل.
كلما تقدم المسرح في العمر قلّ الاعتياد عليه، وبخاصة عند الشعوب والثقافات غير المثقفة مسرحياً، أو أن ثقافة المسرح بالنسبة إليها ليست أولوية، ويقل الاعتياد الشعبي على المسرح حين تكثر قنوات منافسة المسرح مثل السينما، والدراما التلفزيونية، واليوم، تستطيع أن تحضر مسرحية كاملة بالأبيض والأسود مثلاً، وأنت مستلقٍ على كنبة في بيتك.
كان الذهاب إلى المسرح عادة وأكثر من ذلك كان احتفالية عائلية كما لو أن أكثر من عائلة التقت في نزهة، وكان المسرح، قديماً في الإمارات ثقافة شعبية، وربما من هنا، أي من خلال تلك الذاكرة الشعبية المسرحية نفسّـر لماذا يحب الجمهور الإماراتي فن المسرح، سواء في مواسمه التقليدية مثل أيام الشارقة المسرحية، ومهرجان المسرح العربي، والمسرح الصحراوي، أو في الأعياد والإجازات الطويلة، وبكلمة ثانية، إن للمسرح في الإمارات علاقة مشيميّة بالمكان أولاً، فالعروض البكرية أو الفطرية الأولى في ستينات القرن العشرين مثلاً، كانت عروض الأمكنة الشعبية، بل وكانت أيضاً عروض اللهجة الشعبية والزيّ الشعبي والفضاء المسرحي الشعبي العام غير المنفصل عن روح المكان: الفريج، والسكيك، والبيت الإماراتي الشعبي برموزه التشكيلية وزخرفاته ونقوشه النمنمية على الأبواب والنوافذ، وغيرها من فضاء معماري أصيل.
استعار المسرح الإماراتي كل هذه الإشارات والعلامات الشعبية المحلية القديمة، لا بل إن المكان في حدّ ذاته لم يغادر ذاكرة المسرحيين حين أخذ بعضهم يعرض في ما يُسمّى «خارج العلبة الإيطالية»، أي العرض في الهواء الطلق بلا خشبة ولا شارة مثل مسرحية «جميلة» للمسرحي المثقف جمال مطر التي عرضها في تسعينات القرن العشرين بمحاذاة البحر تماماً في منطقة الخان في الشارقة «قرب منطقتي الخالدية واللّية الآن».
هذه الصيغ المسرحية المحلية، صيغ العرض على الرمل وفي الهواء الطلق هي أقرب إلى روح مسرح العائلة في العيد، وربما هذا هو المسرح الذي يتوق إليه جيل إماراتي مشدود بخيط الحنين إلى صورة من صور مسرح الثمانينات والتسعينات في الإمارات، والكثير من رموز وصنّاع ذلك المسرح الأصيل ما زالوا والحمد لله قادرين على العطاء الإبداعي المسرحي بأدوات جديدة تناسب الزمن والمكان الجديدين أيضاً.

yabolouz@gmail.com

عن الكاتب: