التصدع يتهدد وحدة الغرب

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

في العشرين من أبريل/نيسان الفائت اجتمع الرئيس الأمريكي جو بايدن، مع قادة الجيش الأمريكي في اجتماع سنوي اكتسب أهمية خاصة مع دخول الحرب في أوكرانيا مرحلة خطرة جديدة. في هذا الاجتماع الذي تقرر فيه إمداد أوكرانيا بكميات ونوعيات جديدة من الأسلحة، أشاد الرئيس الأمريكي بصلابة الجيش الأوكراني، وقال إن «وحدة حلف شمال الأطلسي صدمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».

قد يكون ذلك صحيحاً، لكن إلى متى يمكن للرئيس الأمريكي أن يراهن على وحدة حلف شمال الأطلسي إزاء الحرب المشتعلة في أوكرانيا، مع تزايد فرص انزلاق دول الحلف إلى مواجهة عسكرية مع روسيا، في ظل تراجع قدرة الجيش الأوكراني على الصمود أمام الجيش الروسي على الرغم من كل العتاد الغربي الذي وصل إليه، وفي ظل تعثر العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا، وارتداد بعض هذه العقوبات إلى الدول الأوروبية في ظل الإصرار الروسي على إجبار الدول المتورطة في معاقبة روسيا، على دفع أثمان ما تستورده من الغاز بالروبل، وتهديده ب«رد صاعق» إذا أسفرت تدخلات الأطراف الخارجية في تعرض بلاده لأي تهديد استراتيجي.

حتى الآن مازالت الولايات المتحدة حريصة على عدم التورط المباشر في الحرب، وتكتفي بالمشاركة فيها عبر تسليح وتدريب وتمويل القوات الأوكرانية. وسبق أن أكدت واشنطن رفضها لمطالب الرئيس الأوكراني بفرض «منطقة حظر طيران» فوق أوكرانيا. كان هذا الرفض قاطعاً وشاركت فيه أطراف أوروبية، خاصة ألمانيا، خشية حدوث احتكاك مباشر مع القوات الروسية؛ الأمر الذي يمكن أن يقود إلى حرب مباشرة مع روسيا لا يريدها أحد. 

لكن بريطانيا لم تعد تتردد في صب مزيد من الزيت على نيران الحرب المشتعلة في أوكرانيا، فقد حذرت من أن انتصار روسيا ستكون له «عواقب وخيمة في جميع أنحاء العالم»، وحثت على إرسال مزيد من الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا. وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، إن «مصير أوكرانيا بات على المحك.. ولذا يتعين على حلفائها الاستعداد لمعركة طويلة وتكثيف إنتاجهم من الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك الدبابات والطائرات لدعم كييف».

هذا الموقف البريطاني يجد من يدعمه في دول البلطيق الثلاث: إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، إضافة إلى ثلاث دول أخرى من أوروبا الشرقية أعضاء سابقين في حلف وارسو (بولندا وسلوفاكيا وتشيكيا)، هذه الدول متشددة في عدائها لروسيا؛ لذلك فهي بوابات عبور الأسلحة إلى أوكرانيا، وهي من يدعم طلب أوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتدعم انضمام السويد والنرويج إلى الحلف الأطلسي، وهي في مقدمة من يطالب بوقف الاعتماد على النفط والغاز الروسيين، لكن موقف ألمانيا مختلف، وربما يكون هذا موقف فرنسا وإيطاليا أيضاً، وإن كان بدرجة أقل من التمرد الألماني على مثل هذه التوجهات.

الملاحظ الآن، ظهور قدر لا بأس به من التصدّع في وحدة موقف دول حلف شمال الأطلسي من الحرب الأوكرانية، والتصدع الأعمق يحدث في دول الاتحاد الأوروبي. وما جاء مؤخراً على لسان مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل يؤكد ذلك، فقد صرح بأن «قرار وقف استيراد النفط والغاز من روسيا لن يتخذه الاتحاد الأوروبي بالإجماع، وأن الدول الأعضاء بإمكانها أن تقرر ذلك فرادى».

الأهم من ذلك هو اعتراف بوريل ضمنياً، بفشل سياسة العقوبات الغربية ضد روسيا في إجبار الأخيرة على الانسحاب من أوكرانيا ووقف عملياتها العسكرية بقوله: «مصير الحرب سيتقرر في ساحة المعركة»، وقوله أيضاً إن الاتحاد الأوروبي «سيواصل تزويد أوكرانيا بالأسلحة والدبابات والطائرات الحربية لكي تتمكن من الدفاع عن نفسها»، لكن الأكثر أهمية اعترافه بأنه «من الصعب الاستمرار في هذا الدعم من غير أن تصبح أوروبا طرفاً في النزاع».

موقف المستشار الألماني شديد الوضوح بهذا الخصوص. ففي مقابلة مع مجلة «دير شبيجل» (22  4  2022) قال المستشار أولاف شولتز، إن برلين تسعى جاهدة إلى تفادي مواجهة مباشرة بين الحلف الأطلسي وروسيا بسبب أوكرانيا، وقال: «أفعل كل ما في وسعي لمنع تصعيد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.. يجب ألا تكون هناك حرب نووية». 

تباين المواقف على هذا النحو يؤكد أنه مع كل يوم يمر على الحرب في أوكرانيا، تزداد فرص تفاقم التصدع في وحدة حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي كإحدى أهم نتائج الحرب الأوكرانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"