عادي
يناقش صراع الإنسان مع نفسه

«واحد تاني».. فكرة ضيقة وكوميديا إيحائية

23:31 مساء
قراءة 4 دقائق

مارلين سلوم
لأول مرة منذ ظهور جائحة «كورونا»، تشعر بأن لعبارة «أفلام العيد» وقعاً مميزاً، وكأنها من علامات «الحياة الطبيعية» التي افتقدناها فجأة وطال ابتعادنا عنها لنحو عامين. لذلك كان للأفلام التي عرضت في صالات السينما خلال فترة العيد وما بعدها وقع خاص، وإقبال كثيف للجمهور للمشاهدة كنوع من الاشتياق للزحمة في الصالات. هذا الواقع ينعكس بشكل مباشر على ما حققته وتحققه الأفلام من نسب إيرادات في شباك التذاكر، وعلى الرغم من وجود أكثر من فيلم عربي في وقت واحد، فإنه من الطبيعي أن يكون الخيار الأول لفئة كبيرة من المشاهدين دخول فيلم أحمد حلمي «واحد تاني»، حباً بالبطل النجم وثقة بأنه يقدم كوميديا جميلة تليق بكل أفراد الأسرة كما جرت العادة، لكن التوقع شيء وما تشاهده شيء آخر، وأرقام شباك التذاكر شيء وما يستحقه الفيلم شيء آخر.

أحمد حلمي يعيش حالة من السعادة بتخطي فيلمه سقف ما وصل إليه أي من أفلامه السابقة، ويعتبر أن أرقام الإيرادات المتجهة صعوداً هي خير دليل على تحقيق النجاح والتقدم. من حق أحمد حلمي أن يفرح ويشعر بنشوة النصر خصوصاً أنه ينافس أفلاماً أخرى تجذب الجمهور أيضاً، منها «الأكشن» مثل «العنكبوت» بطولة منى زكي وأحمد السقا وظافر عابدين ويسرا اللوزي وآخرين، تأليف محمد ناير، وإخراج أحمد نادر جلال، والكوميدي «زومبي» مع علي ربيع وحمدي الميرغني من إخراج عمرو صلاح وتأليف وليد أبو المجد وأمين جمال.

عوامل

الفنان الذكي يقرأ أرقام شباك التذاكر جيداً ومصدرها، وحلمي فنان ذكي ومجتهد لذا من الضروري أن يستوقفه أكثر من عامل أدى إلى هذا النجاح، أولاً كما ذكرنا عرض الفيلم خلال إجازة العيد، وثانياً ثقة الناس به واشتياقهم لمشاهدة أعمال جديدة له، إنما الحكم الحقيقي يكون بعد المشاهدة وليس قبلها، وردود فعل الناس وآرائهم بالفيلم، والتي لا تمنحه نفس نسبة النجاح لأسباب عدة، أولها صدمة الجمهور بانتقال نجم الكوميديا الذي عشقه الصغار والكبار من فئة «المشاهدة الآمنة لكل الأعمار» إلى «للكبار فقط»، بسبب فكرة القصة وتغلب كوميديا الإيحاء على كوميديا الموقف الظريف المحبب الذي يخرج من أعماقك الضحك فتشعر بارتياح وكأنك غسلت همومك واستعدت نشاطك وبهجتك.

خسر أحمد حلمي، على الرغم من فوزه وإيراداته، خسارة نتمناها مؤقتة كي يستعيد جمهوره الأوسع ويستعيد تألقه كنجم عمل دائماً على تقديم الفكرة على النكتة، سلك طريق الكوميديا الواعية التي تجذبك إلى القصة أولاً وتقدمها لك بقالب ظريف محبب، و«الإيفيهات» تبدو وكأنها تولد بشكل تلقائي وعفوي بلا افتعال. ومن هنا كانت الضحكة تلقائية وطبيعية في أفلام حلمي، بينما في «واحد تاني» تشعر بأن الفكرة ضيقة جداً ولا تحتمل 111 دقيقة مشاهدة، تكرار لبعض المشاهد والمواقف والإيفيهات بلا داع. نحمّل أحمد حلمي المسؤولية لأنه يشارك في أفكار أفلامه وتشعر بأنه يضع فيها الكثير من روحه وحركاته وشخصيته، وهو ما يؤكده خلال حديثه عن فيلمه الجديد «دائماً أحاول تقديم أعمال تلمس الناس وتناقش مشكلة عامة». وعن مشكلة البطل في «واحد تاني» يقول: «كانت تعبر عني في وقت معين، وبالفعل شعرت بأن فقدان الشغف مشكلة كبيرة جداً لمستني شخصياً فتكلمت عنها»، إنما يبدو أن فكرة فقدان الإنسان الشغف وتحوله من شخص حيوي يحاول الابتكار والتجديد والتفكير بشكل غير تقليدي دائماً إلى العكس تماماً، إنسان يكرر روتين حياته، نمطي، تفشى فيه الخمول الفكري فبات يؤدي واجباته في العمل والحياة ويعيش ليعيش ليس أكثر. الفكرة بقيت في نفس الإطار ولم يتمكن المؤلف هيثم دبور من إضافة أفكار جديدة عليها سوى وضعها ضمن قالب صراع الإنسان مع نفسه، والتي جسدها ب «اللبوسة السحرية» التي تحمل «ليزر» وتعيد للإنسان الشغف والطموح والقدرة على التعبير عما بداخله وعن أفكاره بحماس يجعله منطلقاً في الحياة بلا أي خوف أو تردد.

شخصيتان

الصراع الداخلي يجعل البطل بشخصيتين يجسدهما حلمي طبعاً، مصطفى الموظف الذي يعمل كأخصائي اجتماعي في مصلحة السجون، تصله رسالة من «حبه القديم» وصديقة الجامعة فيروز (روبي) للقاء يجمع نفس الشلة بعد غياب سنوات طويلة. هنا يكتشف مصطفى أن كل الأصدقاء حققوا إنجازات وتجرؤوا على خوض تجارب عدة منها ما نجح ومنها ما فشل، لكنهم سعداء، بينما هو فشل في التقدم؛ بل فقد شغفه وطموحه في الحياة، وكل أحلامه وأفكاره بقيت سجينة الأدراج. يلتقي صدفة بشقيق فيروز جاسر (أحمد مالك) الذي كان مصطفى مثله الأعلى وتأثر بشخصيته المرحة والمندفعة والجريئة، فوجد الحل ب «اللبوس العجيب» ليصبح مثله ويخرج ما بداخله من طاقات، وقد أصبح صاحب شركة ناجح ومنطلق. ولأن حال مصطفى اليوم مختلف تماماً عن حاله أيام الشباب حين كانوا ينادونه «إكس»، نصحه جاسر بالذهاب إلى الدكتور علوان (سيد رجب)، وهناك اكتشف أن السر في إجراء عملية صغيرة لوضع «اللبوس» الكفيل بإعادة الشغف للإنسان، لكن لسوء حظ مصطفى أنه من الحالات النادرة التي يحصل لديها انقسام، ففي النهار يكون مصطفى التقليدي وفي المساء يتحول إلى «إكس» النشيط المندفع، والفارق بينهما في الشكل هو الشعر، ثم طريقة الكلام والتصرف والملابس..

العملية التي من المفترض أن تجعل البطل «واحد تاني» فحولته إلى «واحد» و«واحد تاني»، أي شخصين في واحد. طبعاً مفارقات ومواقف كوميدية كثيرة، وخفة ظل أحمد حلمي التي تجبرك على الضحك، وعرف المخرج محمد شاكر خضير كيف يبرز الفوارق بين الشخصيتين خصوصاً في المواقف التي يتحول فيها فجأة «إكس» إلى مصطفى أو العكس، لكن في المقابل وقع خضير في فخ المط واللف حول نفس الفكرة وتكرارها بأشكال مختلفة من مشهد إلى آخر، فانعكس مللاً شعر به المشاهد أكثر من مرة.

أحمد حلمي لا يغيب عن الشاشة، هو بطلها طوال الوقت، وبجانبه تألق كل من أحمد مالك وروبي، بينما جاء ظهور عمرو عبد الجليل بشخصيتي القط والزط شرفياً، ونسرين أمين بدور الممرضة ليندا، والشابة نور إيهاب (شيرويت)، بجانب محمد التاجي، ومحمود حافظ وعمرو وهبة. توقعنا مشاهدة «الحركة دي» التي روج لها أحمد حلمي عبر وسائل التواصل واشتهرت أغنية الفيلم بسببها، لكنها مرت بشكل خاطف ولم نسمع الأغنية كاملة، بينما أعاد الفيلم روبي إلى الغناء بشكل محبب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"