متى ينتهي التضخم؟

22:40 مساء
قراءة 3 دقائق
3

كويتشي هامادا *

حتى سنوات قليلة ماضية، كافحت الاقتصادات الكبرى من أجل تحقيق تضخم معتدل، حيث كان صانعو السياسات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو يسعون لتحقيق أهدافهم المتمثلة في نمو أسعار سنوي بنسبة 2%.

لكن مع وصول «كوفيد-19» عام 2020، واستمراره حتى اللحظة، تغير وجه العالم بشكل كبير. واليوم وبعد عامين ونصف تقريباً، بات الجميع قلقاً أكثر بشأن التضخم المرتفع وكيفية احتوائه.

تباينت معدلات تضخم أسعار المستهلكين عبر البلدان، مما يعكس ظروفها الاقتصادية وتوقعات الناس للتضخم في المستقبل، ففي نهاية عام 2021، بلغ معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة 4.7%، مقارنة ب 4.8% في المملكة المتحدة، و5% في منطقة اليورو وكانت السمة المشتركة بينهم هي تسارع المعدلات ومن ثم وبعد معدلات التضخم السلبية لمعظم العام، ارتفع معدل التضخم الشهري في اليابان في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه إلى 0.8%. إذن، لماذا ظهر التضخم أثناء الجائحة، وتحت أي ظروف سوف يستقر، أو حتى يختفي؟ بشكل عام، يبدأ التضخم عندما يتجاوز الطلب على السلع أو الخدمات المعروض منها ويحدث التضخم عند الطلب أو «تضخم سحب الطلب» عادة عندما يتم تعزيزه من خلال السياسات النقدية أو المالية التوسعية وفي مفهوم العرض والطلب البسيط، ينحرف منحنى الطلب «المنحدر» إلى أعلى وإلى اليمين، وترتفع معه الأسعار المتوازنة والكميات.

وبالمثل، يكون «تضخم دفع التكلفة» عندما ينحرف منحنى التكلفة «المنحدر» لأعلى، وهو ما يحدث عندما ترتفع أسعار الطاقة والمواد الخام وفي هذا السيناريو، يرتفع مستوى السعر عادةً وتنخفض الكمية المتداولة.

لكن في حالة «كوفيد-19»، كانت هناك آلية مختلفة في العمل إذ نتج التضخم عن صعوبة التوفيق بين العرض والطلب في كل الأسواق وخصوصاً البيع بالتجزئة، فخلال أسوأ فترات الوباء، لم يتمكن الكثير من الناس أو كانوا مترددين في الذهاب إلى المتاجر الفعلية، مما تسبب بإعاقة العديد من الفرص التجارية وإحباط نمو الكثير منها ولم يتوقف الأمر فقط على تجارة التجزئة، بل تجاوزه أيضاً ليشمل قطاع السفر الجوي والمطاعم والترفيه والعديد من الصناعات الأخرى.

في الرسم البياني القياسي والطبيعي للعرض والطلب، ظلّ كل من منحنى الطلب والعرض كما هو في حقبة ما قبل الجائحة ولا يزال الناس يرغبون في السفر، ولا تزال صناعة الطيران تريد خدمة عملائها بأقصى وسيلة ممكنة، إذ كان بإمكانها القيام بذلك دون تعريضهم وموظفيها للخطر ولكن في ظل غياب احتمالات التوفيق بين العرض والطلب بشكل آمن، ضاعت تلك الفرص بشكل شبه كامل.

وهكذا كان الفيروس كإسفين دُقّ عمودياً بين منحنى الطلب والعرض وعندما يحدث هذا، سيتم تخفيض التبادلات التجارية، كما سيكون هناك فرق بين سعر الطلب والعرض ويمثل الطول الرأسي للإسفين حجم التكلفة التي يجب دفعها لجعل التجارة ممكنة وآمنة، والسعر الأعلى الذي يجب على المستهلكين دفعه هو أحد أعراض التضخم وعليه، يتم عادة الجمع بين هذا الوضع التضخمي وبين الفرص التجارية الأصغر، أو غير الموجودة في الحالات القصوى.

ويقودنا هذا التحليل إلى السؤال، متى سينحسر التضخم الناجم عن كوفيد؟ الإجابة المختصرة هي أنه سيختفي عندما يزول المرض تماماً أو تزول العوامل التي تمنع السوق من التطابق الطبيعي بين العرض والطلب. إذا نظرت الحكومات إلى تقليص حجم التجارة على أنه أمر غير مرغوب فيه، فسوف تحاول إما زيادة الاستهلاك عن طريق تحفيز الطلب أو الحفاظ على سلاسل التوريد سليمة من خلال دعم المنتجين، تماماً كما فعل العديد من أصحاب القرار في العالم، لكن مثل هذا الإنفاق سيكون تضخمياً للاقتصاد ككل، وقد يتحول إلى مصدر كامل لتضخم الطلب.

علاوة على ذلك قد يلجأ الجمهور الواسع إلى توقعات أسعار أعلى من شأنها أن تُغذي عملية التضخم أكثر وهو ما حذّر منه جيسون فورمان من جامعة هارفارد، وغيره من المحللين ووصف فورمان الوضع في الولايات المتحدة بأنه حالة من التضخم عند الطلب أو «تضخم سحب الطلب» إلى حد كبير. حيث ارتفعت الأسعار جنباً إلى جنب مع انتعاش فرص التجارة في العديد من الأسواق وأشار فورمان بقلق إلى الآثار المستمرة لتراكم الطلب بسبب الاستجابة الوبائية الضخمة وحزم التعافي التي أقرّها الرئيس الأمريكي جو بايدن.

صدمت التوترات بين روسيا وأوكرانيا العالم، وتسببت في مصدر آخر للضغط التضخمي على الغذاء والطاقة وهذا يعني أن السعر النسبي للمواد الهيدروكربونية والغذاء سيرتفع، وستزيد الأسعار بشكل عام وسيكون هناك زخم أكبر نحو حالة «تضخم دفع التكلفة»، وهو خيار مؤلم كما يراه الغرب يجب تحمله لكنه يعني أننا سنشعر بآثار ارتفاع أسعار الطاقة، وارتفاع التضخم لبعض الوقت في المستقبل.

* أستاذ فخري في الاقتصاد بجامعة ييل، ومستشار رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي

*جابان تايمز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"