زلزال سياسي في كولومبيا

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

تسجل الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الأحد الماضي في كولومبيا زلزالاً سياسياً في أمريكا اللاتينية، حيث فاز المرشح اليساري غوستافو بيترو في الجولة الأولى بأكثرية 40 في المئة من الأصوات، متقدماً على خصمه رجل الأعمال رودولفو هيرنانديث الذي حصل على 28 في المئة من الأصوات، حيث سيتواجهان في جولة ثانية يوم 19 يونيو/ حزيران المقبل.
 وأهمية فوز بيترو أنها المرة الأولى في تاريخ كولومبيا التي يصل فيها يساريّ إلى منصب الرئاسة، منضماً بذلك إلى كوكبة من الرؤساء اليساريين الذين غيّروا وجه القارة التي طالما كانت تعتبر الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية. حيث شهد العديد من دول أمريكا اللاتينية مؤخراً عودة إلى أحضان اليسار، كما حصل في البيرو والمكسيك وتشيلي وبوليفيا، إضافة إلى فنزويلا وكوبا ونيكارغوا.
 إلا أن لكولومبيا نكهة خاصة، حيث ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وكانت تشكل مخلب قِطٍّ أمريكي ضد فنزويلا ودول الجوار، وسقوطها بيد اليسار يعني أن الولايات المتحدة ستفقد قاعدة متقدمة في القارة، إذ إن الرئيس القادم هو ثائر سابق كان ينتمي لمجموعة «إم-16»، وهو حالياً نائب في مجلس الشيوخ ورئيس سابق لبلدية العاصمة بوغوتا.
 ويعني فوز اليسار أيضاً أن الناخبين الكولومبيين (39 مليوناً) اختاروا التغيير والخروج من تحت العباءة الأمريكية، من خلال اختيار «تحالف الميثاق الوطني» ومرشحه بيترو والمرشحة لنائب الرئيس فرانسيا ماركيز الناشطة في مجال حقوق الإنسان والبيئة، على أمل أن يتبدل وجه كولومبيا الذي تشوهه العصابات وكارتلات المخدرات التي تنتشر كالفطر تحت نظر السلطات العاجزة عن المواجهة حيناً والمتواطئة أحياناً كثيرة. إذ تشير التقارير إلى أن كولومبيا هي أكبر مصدر للكوكايين في العالم من خلال عصابات الجريمة والمخدرات مثل كارتلات ميدلين و«غولف كلان» و«ديل غولفو» التي لديها جماعات مسلحة بالآلاف وتمارس عمليات قتل وتصفية في ما بينها. إضافة إلى تداعيات المواجهات بين القوات الكولومبية وحركة القوات المسلحة الثورية (فارك)، بعد انهيار اتفاق السلام الذي تم توقيعه عام 2016، ما أدى إلى فرار أكثر من 13 ألف مدني من مناطق الاشتباكات، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
 بعد إعلان فوزه قال بيترو: «هناك في النهاية خياران: إما أن نُبقي على ما لدينا، الفساد والعنف والجوع، وإما أن نحدث التغيير للمضي نحو السلام والتقدم المنتج والديمقراطية التي تتسم بالشفافية»، وأكد التزامه الكامل باتفاق السلام مع «فارك»، وتعهد بإعادة توزيع رواتب التقاعد، والتحاق العامة بالجامعات من دون رسوم، ومكافحة التفاوت الطبقي العميق.
 لا شك أن النظام اليساري الجديد في كولومبيا يواجه تحديات كبيرة، ليس أقلها الفساد والعصابات، واستعادة السلام مع «فارك»، إضافة إلى تحديد مسار العلاقات الخارجية مع الولايات المتحدة، وما إذا كانت ستقبل المساكنة مع نظام جديد، لا يقبل بأن يكون صورة طبق الأصل عن النظام السابق، وهنا يرتفع سؤال حول دور الجيش الممول والمدرب والمسلح أمريكياً!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"