الآفاق المستقبلية للسكك الحديدية في الشرق الأوسط

21:46 مساء
قراءة 4 دقائق

يشهد قطاع النقل اليوم تحولاً شاملاً على مستوى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص. وباتت التغييرات المتسارعة ضمن هذا القطاع، تطال اليوم مختلف أوجه حياتنا، علماً بأنه من المتوقع أن تتسارع وتيرة التغيير بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظل السعي إلى ابتكار سبل جديدة للنقل، والبدء باستخدامها بشكل فاعل. فتماماً كالقطاعات الأخرى، يشهد قطاع النقل حالياً، مرحلة انتقالية استثنائية غنية بالفرص والإمكانات.
ومع توجه الدول تدريجياً نحو تخفيف القيود المفروضة على السفر بفضل تراجع آثار جائحة كوفيد  19، يسترجع قطاع الطيران نشاطه الطبيعي إلى حد كبير، في ظل تزايد الحاجة يوماً بعد يوم إلى خدمات النقل، توازياً مع التوسع العمراني السريع والنمو المستمر في عدد السكان. وبالتالي يتحتم على الحكومات حول العالم، البحث عن وسائل نقل سريعة وفعالة وصديقة للبيئة. وبالاستناد إلى أحدث التوجهات في قطاع النقل، من المتوقع أن تنمو حركة نقل الأفراد والشحن بأكثر من الضعف بحلول عام 2050. ولتلبية الطلب المستقبلي، يتعين على قطاعات النقل حول العالم التوصل إلى حلول نقل مبتكرة تضمن المزيد من الفاعلية، بدلاً من التركيز على وسائل النقل التقليدية المستخدمة على نطاق واسع.
أما على صعيد منطقة الشرق الأوسط، فبات الطلب على أنظمة النقل العام الموثوقة التي توفر خدمات النقل بأسعار معقولة، أكثر إلحاحاً، وبشكل خاص لدى شريحة من العملاء الذين لا يمتلكون سيارات خاصة. وقد أثبتت الدراسات أن القطارات اليوم من الوسائل الأكثر كفاءة من حيث معدلات استهلاك الطاقة، حيث يصدر عنها ثاني أكسيد الكربون بنسبة أقل بأحد عشر ضعفاً، مقارنة بتلك التي تصدر عن المركبات والطائرات، فضلاً عن استهلاكها الطاقة بنسبة أقل باثني عشر ضعفاً، مقارنة بغيرها من وسائل النقل.
فالقطارات فائقة السرعة قد تصبح في المستقبل بديلاً فعالاً عن السفر جواً على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، بينما تأتي القطارات المصممة للاستخدام بين المدن بمثابة حل مُجدٍ لمعالجة أزمة الازدحام المروري المتزايدة والحد من تلوث الهواء. فنسبة ثاني أكسيد الكربون التي تنبعث عن قطار ممتلئ بالكامل هي 80%، أقل من النسبة المنبعثة من شاحنات محملة بالوزن نفسه. وتجدر الإشارة إلى أن ثلث النسب العالمية المستهلكة من الطاقة تعزى إلى قطاع النقل وحده. ويحتم ذلك على هذا القطاع ألا يكون مجرد وسيلة مستقلة لتقريب المسافات ونقل الأفراد من مكان إلى آخر فحسب؛ بل أن يكون أيضاً قطاعاً يراعي البيئة ويحد من الانبعاثات الكربونية في الوقت عينه.
تقف دول المنطقة اليوم أمام تحد كبير يتثمل في ضمان مستقبل مستدام للأجيال المقبلة، مما يدفع بها نحو وضع أهداف صارمة لتحقيق الحياد المناخي والمضي قدماً في المساعي الرامية إلى تحقيق التحول في مجال الطاقة. ومع استضافة جمهورية مصر لمؤتمر «كوب 27» المقرر هذا العام، ودولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر «كوب 28» المقرر عام 2023، تلعب منطقة الشرق الأوسط دوراً ريادياً في مسيرة التحول نحو الاستدامة، وسوف يكون لها أثر ملحوظ في هذا الإطار.
وفي هذا السياق، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة البرنامج الوطني للسكك الحديدية ضمن مشاريع الخمسين، ويهدف إلى رسم مسار قطاع السكك الحديدية للسنوات والعقود المقبلة. وهذا البرنامج عبارة عن سلسلة من المشاريع التنموية والاقتصادية الهادفة إلى تسريع وتيرة التنمية في دولة الإمارات، وتحقيق نقلة نوعية في منظومة النقل، وتوفير فرص عمل جديدة في مجال السكك الحديدية والقطاعات الداعمة. ومن شأن شبكة السكك الحديدية الفعالة والقائمة على التكنولوجيا، أن تدعم مسيرة المنطقة لتحقيق أهداف الاستدامة، خاصة في ظل استعداد مصر والإمارات لاستضافة مؤتمري «كوب 27» و«كوب 28» خلال العام الجاري والعام المقبل على التوالي.
وتلتزم دولة الإمارات باتخاذ الإجراءات الضرورية لتحقيق أهداف الحياد المناخي، وإحراز المزيد من التقدم على صعيد استخدام وسائل النقل الذكية. ومن شأن ذلك أن يسهم في نمو المنطقة وتحوّلها أكثر فأكثر إلى وجهة رئيسية لجذب مزيد من الشركات والأفراد لغايات العمل التجاري أو السياحة، فضلاً عن ربط مختلف الدول والمناطق بعضها بالبعض الآخر. 
وفي المستقبل القريب، سيسهم قطار فائق السرعة بربط أبوظبي ودبي ببعضهما بعضاً عبر سكك مباشرة، مما سيقلص الوقت المستغرق للتنقل بين الإمارتين إلى 50 دقيقة فقط. وبالتالي ستصبح مختلف المدن على صعيد دولة الإمارات وربما الدول المجاورة في منطقة الخليج، مربوطة مباشرة بعضها ببعض عبر سكك حديدية تعبرها قطارات فائقة السرعة تتسع لمئات الأفراد.
باختصار، إن الحاجة إلى خدمات النقل الأكثر فاعلية وكفاءة ستزداد بشكل ملحوظ في المستقبل القريب؛ الأمر الذي يستوجب على الدول إعادة النظر في وسائل النقل المستخدمة حالياً، وطرق ممارسة الأعمال التجارية. وبينما يشهد العالم اليوم ما يسمى الثورة الصناعية الرابعة، لا شك في أن التحول في مجال الطاقة سيعود بآثار ملحوظة على مختلف القطاعات الأخرى.
ولضمان مستقبل مستدام للجميع لن ينحصر التحول في قطاع النقل فحسب؛ بل سيطال أيضاً كافة أوجه حياتنا اليومية وطرق عملنا في القرى والمدن والدول على مستوى المنطقة والعالم على حد سواء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

العضو المنتدب / المدير العام لشركة «ألستوم» في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"