دور الوعي وأهميته

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

لن نغامر وندخل في تعريف الوعي، لأنه لا يزال موضع خلاف بين الفلاسفة والعلماء والإنثروبولوجيين والاختصاصيين النفسانيين بل وحتى بين السياسيين، ويكاد يكون متشعّباً مثل تعريف الثقافة، وهي شكل من أشكال الوعي. لكن يتفق الجميع على استخدام مفردة واحدة عند الحديث عن الوعي هي الإدراك، إدراك داخلي يتعلق بذات الإنسان، وإدراك خارجي يتعلق بالفهم العام الذي يحدد أنماط السلوك البشري وطرائق التعامل مع شرائح المجتمع. وتتعدّد معاني الإدراك كما في اللغة، حين تعني، لحق، ورأى، وأبصر، وحصل، وحاز وغيرها من المعاني اللصيقة بيومياتنا.
 ونحن هنا لا نتحدث عن الوعي من منظور فلسفي أو لغوي إنما حول ما يتصل بالإنسان كفرد عامل في المجتمع. ويمكن تقسيم الوعي إلى وعي سياسي وآخر اقتصادي وثالث اجتماعي ورابع فني أو تربوي أو نفسي وهكذا، وهنا نعود مرة أخرى إلى تعريف الثقافة: ثقافة سياسية وأخرى اجتماعية وثالثة أدبية. لكن هذا يقودنا إلى التعامل مع التخصص، وهو ما لا نرغب البحث فيه.
 وما يهمنا هنا الالتزام بموضوع الوعي بصفته إحاطة بالشأن العام، إذ كلما كان الفرد أو المواطن على وعي بالشأن العام، كلما كان قادراً على التفاعل والعطاء بشكل إيجابي، وهذه الإحاطة قد تترجم مفردة الوعي بشكل نسبي، وهي لا تعني الحصول على المعلومات بقدر التعرّف على القضايا التي تشكل أهمية للمواطن والوطن، ومحاولة فهمها بشكل موضوعي وصادق، حتى لا يعيش على هامش المجتمع، فالوعي بالسياسات العامة ذات الصلة بالسياسة والمجتمع والتشريعات والاقتصاد أمر مهم جداً للموظف والطالب الجامعي والمواطن بشكل عام، فالوعي بتلك السياسات يجعل الأمور واضحة أمامه في تعامله مع المؤسسات والهيئات والنظام العام، وبالتالي يكون مدركاً لدوره كفرد في المجتمع.
 من الأهمية بمكان أن يتحلى المواطن بالوعي السياسي الداخلي والخارجي، أي بالاستراتيجيات والبرامج والخطط التنموية الداخلية، وبعلاقة بلاده مع الدول الأخرى، خاصة أن عالم اليوم مليء بالتحالفات والصراعات، إضافة إلى القضايا الإنسانية التي تشغل العالم، كالقضايا البيئية والمناخية والطاقة، والوعي بهذه القضايا السياسية أو الإنسانية يعمل على تحصين المواطن فكرياً ووطنياً وثقافياً، ويفتح أمامه رغبة بالقراءة كي يتابع المستجدات في الشأن العام الداخلي والعالمي.
 وقد يمثل الوعي الاجتماعي أهمية قصوى، لعلاقته بالتماسك الأسري وبالمنظومة الأخلاقية، ومفردات التآزر والعطاء والتطوع. وتقوم المؤسسات المعنية في الدول المتقدمة بشكل مستمر، بإجراء دراسات عن التوجهات المجتمعية والمتغيرات التي تتعرض إليها نتيجة تحوّل العالم إلى قرية صغيرة، أو إلى شاشة فضية تلفزيونية أو حاسوبية، أو دراسات عن توجهات شريحة الشباب وطرق تفاعلهم مع وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد، والمحتوى الإعلامي والفني والدرامي الذي تبثه المحطات الفضائية، أو قنوات مشفّرة مثل «نتفليكس» وغيرها، وغالباً ما تُنقل نتائج الدراسات إلى صاحب القرار للنظر فيها ورسم السياسات.
 ويتلخص ما تقدّم بمصطلح الهوية الوطنية، لأن البعض بات يجاهر بالقول إنه من الصعب في هذا العصر الحديث عن الهوية الوطنية أو الشخصية الوطنية، ويتحدثون عن الإنسان العالمي ويروجون للمصطلح، وهو (كلمة حق يُراد بها باطل)، لأن إذابة الشخصية الوطنية تدمير للخصوصية والمنظومة الأخلاقية، والقبول بالمحتوى الإعلامي والثقافي كما هو. 
 ولا شك أن هناك تحديات تواجه المجتمعات، خاصة الشرقية منها، في التعامل مع الأفكار الجديدة، وهنا تبرز أهمية الوعي الذي يغربل ويفلتر المعلومة والمحتوى، وللحصول على هذا الوعي لا بد من تحصين الذات عن طريق القراءة والتمسّك بقيم ومبادئ وأصالة المجتمع، للوصول إلى مرحلة الإدراك، وهي مرحلة القناعة الراسخة، التي تستطيع التصدي للتحديات والمتغيرات.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"