عادي

لبنان في حقول ألغام الغاز والنفط

23:11 مساء
قراءة 4 دقائق

بيروت - رامي كفوري:

يبحر لبنان في قلب حقول الغاز والنفط على امتداد حدوده البحرية الجنوبية؛ حيث تحتشد كل عوامل الاشتباك والتسوية في آن. على أن الخلاف الدائر بين بيروت وتل أبيب حول ترسيم الحدود البحرية، وتعيين الحقوق، لا يستند إلى منطوق القانون الدولي وقانون البحار فحسب؛ بل يتعداه ليصبح جزءاً من الصراع الدولي والإقليمي في المنطقة؛ حيث إن النصاب مكتمل بوجود واشنطن، موسكو وباريس، إلى جانب دول إقليمية.

في سياق هذا الصراع يبدو من الواضح أن ثمة «فيتو» مَنع بيروت من بدء التنقيب في «البلوكات» حتى غير المتنازع عليها، قبل الاتفاق مع إسرائيل، وهو «فيتو» تمت صياغته بطريقة مواربة، وهي ضرورة أن تتوخى شركات النفط العالمية الكبرى الحذر من الإقدام على التنقيب لأن الوضع الأمني قد لا يساعدها على ذلك، في ظل غياب أي اتفاق لبناني- إسرائيلي. وكان واضحاً أن هذا التحذير المبطن، هو الذي دفع شركة «توتال» الفرنسية إلى وقف التنقيب في «البلوك» الرقم 4، متذرعة بأن النتائج لم تكن مرضية، في حين تؤكد المعلومات أن التنقيب تناول نقطة واحدة من نقاط عدة تحتوي على كميات كبيرة،. وإن موقف الشركة طرح غير علامة استفهام حول سبب توقفها عن التنقيب. لكن ما هو مؤكد أن عملها في أية بقعة من العالم لا يمكن أن يجري من دون حاضنة أو قرار سياسي، يمكنها من إنجاز مهمتها العلمية والتجارية من دون أية معوقات، ولم يكن هذا الأمر متوفراً لها في «بلوكات» لبنان.

لماذا التأخير؟

إضافة إلى وضوح ذلك «الفيتو» فإن ما أخّر إنجاز ملف التنقيب عن الغاز والنفط في لبنان في الواقع، يعود إلى الآتي:

أ- الخلاف حول خط هوف وما تلاه من محاولات لوضع أسس للتفاوض ينطلق منها الطرفان، قبل الوصول إلى اتفاق الإطار الذي وضعه رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

ب- اعتماد الخط 23 من قبل رئيس الجمهورية، الذي جوبه بالخط 29 من قبل اللجنة العسكرية اللبنانية، والذي رفضته إسرائيل جملة وتفصيلاً رافضة البحث فيه، ما أدى إلى تجميد المفاوضات.

ج-انطلاق حملات تشكيك بالموقف اللبناني الرسمي، لاسيما موقف رئيس الجمهورية، لأسباب سياسية لتسجيل نقاط عليه، ومنعه من تحقيق أي إنجاز في عهده. كما أن هناك من يرى أن الخط 29 هو خط حقيقي وواقعي ويقع ضمن المياه الإقليمية اللبنانية بموجب خرائط بريطانية ترقى إلى ثلاثينات القرن الماضي، وأنه لا يجوز التفريط بكمية هائلة من الغاز والبترول وحرمان اللبنانيين منها، مع العلم أن ترسيم الحدود البحرية وتحديدها لا يمكن أن يكون بالدقة التي يتم بها ترسيم الحدود البرية نظراً لاختلاف طبيعة الموضوعين.

د- الانهماك بالانتخابات النيابية وما رافقها وتلاها من تطورات وتداعيات، صرفت الأنظار عن أي موضوع آخر، لاسيما الرد على اقتراح تقدم به سابقاً خلال المفاوضات غير المباشرة، الوسيط الأمريكي عاموس هوكشتاين تجاوز فيه ما عرف ب«خط هوف» ولامس الخط 23 متعرجاً دون اعتماد أغلبه.

عودة هوكشتاين والرد اللبناني

يبدو أن الضجة التي قامت بعد وصول الباخرة اليونانية «اينرجين باور» التي رابطت قبالة حقل «كاريش» على ساحل فلسطين المحتلة، واستمرار الضغط على لبنان بغرض منعه من استخراج الغاز والبترول لأسباب سياسية ذات أبعاد إقليمية ومحلية، فضلاً عن رسائل تحذيرية أطلقها الأمين العام ل«حزب الله» حسن نصرالله، أقلقت واشنطن التي تريد لملف الغاز والنفط على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل أن يأخذ طريقه إلى الحل، خصوصاً أن العالم، لاسيما الغرب، يعيش أزمة خانقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وانقطاع إمدادات الغاز والبترول، ما أدى إلى ارتفاع هائل في أسعارها انعكست سلباً على السوق العالمي. ومن شأن هذا الأمر أن يدفع إلى انسداد قد يؤدي إلى تصدعات خطِرة. وامتداداً لذلك القلق وخوفاً من انزلاق الوضع إلى ما هو أفدح، وبناء على رغبة لبنانية عليا، جاء الوسيط الأمريكي عاموس هوكشتاين إلى لبنان لاستئناف مهمته بعد أشهر على تعليقها.

الوسيط الأمريكي كان حذراً ومتردداً، مخافة أن يصطدم بمواقف متناقضة أو على الأقل مختلفة ولو جزئياً بين أطراف السلطة اللبنانية حول هذا الملف، وكان حريصاً على معرفة رأي هؤلاء للتأكد من أن الموقف اللبناني موحد. وقد تبين له أن كلاً من رئيس الجمهورية، ورئيس المجلس النيابي، ورئيس مجلس الوزراء، كانوا موحدي الكلمة. وقد عزز الموقف اللبناني تصريح لقائد الجيش العماد جوزيف عون الذي قال إن الجيش قام بدوره التقني منجزاً ما طلب منه على هذا الصعيد، وهو الآن يقف وراء السلطة السياسية ملتزماً بقراراتها.

الموقف اللبناني الموحد تجسد في الرد اللبناني الذي تلقاه الوسيط الأمريكي، والذي سيحمله إلى إسرائيل، وينطلق هذا الرد من أن لبنان يصر على التوصل إلى اتفاق لتقسيم الخط البحري عبر المفاوضات غير المباشرة، وهو يطالب بأن يكون الخط 23 هو الخط المعتمد، على أن يكون خطاً مستقيماً يضم إليه حقل قانا كاملاً، أي أن يكون هذا الحقل كلياً ضمن السيادة اللبنانية. وإذا وافقت إسرائيل على ذلك، تستأنف المفاوضات غير المباشرة لتكريس هذا الاتفاق عملياً، ليكون معتمداً من لبنان قانونياً، على أن يكون هناك تعهد وضمانة بعدم القيام بعمل استثماري في المواقع المتنازع عليها بين الخطين 23 و29. وأرفق الرد بمطالبة لبنان الجانب الأمريكي بوقف الضغط على شركات التنقيب الدولية التي لزمت «البلوكات» البحرية اللبنانية غير المتنازع عليها.

وفي تقييم المراقبين، بعد وضوح نتائج جولة هوكشتاين الحالية، وفيما لبنان ينتظر الرد الإسرائيلي، فإن موقفه اليوم بات أصلب من أي وقت مضى، لأنه يرتكز إلى تفاهم وطني عريض.

ويشير هؤلاء إلى أن هوكشتاين كان حريصاً على تدوين كل فكرة جرى طرحها، وباتت الصورة واضحة لديه؛ إذ إنه سيتوجه إلى فلسطين المحتلة بموقف لبناني موحد نادراً ما تبلور في استحقاقات مفصلية.. وينتهي هؤلاء إلى السؤال: هل ستُخرج وساطة هوكشتاين لبنان من حقل الألغام إلى حقول الغاز، فتلوح الفرصة الحقيقية لإنقاذ طال انتظاره؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"