لبنان والخروج من المأزق

00:29 صباحا
الصورة
افتتاحية الخليج

عواصف الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية التي تضرب لبنان لها أسبابها التي أدت إلى ما أدت إليه، وهي ليست صدفة، ولا وليدة السنوات الأخيرة التي سقط فيها لبنان ضحية الديون المتراكمة، ونهب الأموال العامة، وودائع البنوك وانهيار العملة الوطنية، وما أدت إليه من ارتفاع فلكي في أسعار المواد الغذائية والأدوية، ووصول التضخم والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة، إضافة إلى الصراع بين أهل السلطة والأحزاب والطوائف، وإنما كان كل ذلك نتيجة لنظام سياسي قائم على أساس طائفي، يتغذى دوماً من صراعات سياسية، تستخدم فيها الطائفية سلاحاً، وتؤدي إلى أزمات وحروب أهلية، وانسداد سياسي، يحول دون قيام مؤسسات تتولى السلطة بشفافية، وتحتكم إلى الديمقراطية الحقيقية.
 وقد أدى ذلك إلى حربين أهليتين في عامي 1958 و1975، واستمرت الأخيرة 15 عاماً، انتهت باتفاق الطائف أواخر عام 1989.
 في هذا الاتفاق تم وضع دستور جديد على أنقاض دستور عام 1929، وتعديل عام 1943؛ إذ نصت المادة (95) على ضرورة أن يتخذ مجلس النواب «الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية إضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وشخصيات سياسية وفكرية واجتماعية، على أن تقوم الهيئة بدراسة الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديم اقتراح إلى مجلسي النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية». ويؤكد النص الدستوري أنه خلال المرحلة الانتقالية «تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي، ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني». كما نص الدستور على وضع قانون انتخابي خارج القيد الطائفي؛ بحيث يكون على أساس النسبية.
 بعد أكثر من 22 عاماً على النص الدستوري بإلغاء الطائفية السياسية، لم يتم تنفيذ أي شيء منه؛ بل على العكس يتم تكريس الطائفية أكثر فأكثر من خلال مختلف القوى السياسية والطائفية التي ترفض تنفيذ الدستور، لأنها ترى في إلغاء الطائفية السياسية، إلغاءً لوجودها وهيمنتها ودورها. كما أن رجال الدين من مختلف الطوائف يقفون حجر عثرة أمام إلغاء الطائفية السياسية، لأنهم يفقدون دورهم في ظل دولة مدنية تضع حداً بين الدين والدولة والسياسة.
 كل ذلك يؤدي إلى مزيد من الانقسام الوطني، ويعزز فكرة الهوية المذهبية والطائفية القاتلة على حساب الهوية الوطنية الجامعة، ويؤدي بالتالي إلى تفشي المحسوبيات والفساد والترهل، وتعاظم دور أحزاب الطوائف والمذاهب.
 ما الحل إذاً؟ سوف تظل الأزمات تتناسل وتلقي بثقلها على الوطن والمواطن إذا لم يتم إلغاء الطائفية السياسية فوراً، وكذلك تعديل قانون الأحزاب السياسية الحالي، بمنع الأحزاب الطائفية والمذهبية في بلد يضم نحو ثلاثين حزباً طائفياً، وهو دور يجب أن يقوم به مجلس النواب الجديد. 
 إنها قضية وطنية بامتياز لا تحتمل التأخير من أجل إنقاذ لبنان الذي وصل إلى مرحلة الفشل.
 لا شك أنها مهمة صعبة، لكنها المخرج الوحيد لأزمات لبنان.

عن الكاتب: