نسبية العصر في تاريخ الأدب

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يحتاج مقرر الأدب العربي، في الإعدادية والثانوية، إلى إعادة نظر جذرية؟ المحاور التي تستحق العكوف عليها بعميق الفكر والاختبار، في مقدمتها: كيف ننتقي النص؟ ماذا يعني تناول النص وشرحه؟ هل مراعاة الترتيب الزمني (كرونولوجي) في تدريس تاريخ الأدب، قيمة منهجية، أم مسألة ذات بال أصلاً؟ خذ مثلاً، ولو على سبيل الدعابة: إذا قسّمنا ميراثنا الأدبي إلى جاهلي، وعصر أو عصور إسلامية، فهل يبرّر ذلك أن نعدّ شعر شعراء المجون، مثل أبي نواس، الرقاشي... أدباً إسلاميّاً؟
العمود لا يسمح بالتوسعات. القصد إلقاء بعض الآراء في أذهان واضعي المناهج، لعلها تقلص التباعد المتزايد بين النشء الجديد والعربية الكلاسيكية. الذنب ليس ذنب بناتنا وأبنائنا. التقصير ناجم عن خلل تربوي، بيداغوجي، في طريقة اختيار النصوص وتقديمها. تأهيل المدرسين أو إعادة تأهيلهم، بعد صرامة الفحص في قبولهم، هي المنطق السليم. المأساة هي أن نكتفي بنشوة الافتتان بالتراث وحب الأصالة والاعتزاز بالجذور. أيها الأستاذ الفاضل، أنت تحتاج إلى سنة في الأقل لكي تشرح لابن ست عشرة قول المتنبي: «وفاؤكما كالربّع أشجاه طاسمُهْ». معذرة، قل سنوات. لستَ في حاجة إلى تدويخ الفتى بعجُز البيت: «بأن تُسعدا والدمع أشفاه ساجمُهْ». ذلك الشطر الأوّل يستدعي إلى جانب التفسير المعجميّ، العادات والتقاليد الجاهلية، وهذا طرح أنثروبولوجي، المثنى المخاطب «وفاؤكما»، وهو في حدّ ذاته قصّة لها خلفيات لا تخلو من رقصات السيوف. من ذلك تفضيلهم الرحلات الثلاثية، حتى إذا اختلف اثنان، يحول الثالث دون الاقتتال ويحقن الدماء. كيف ستبرهن للمراهقة اليوم أن الطلل الدارس، البالي، المشرف على الاندثار، يثير الشجن والشجى أكثر من الذي لا يزال بعافية نسبيّاً، وأن الدمع الأغزر انهماراً هو الأنجع علاجاً؟ حين تغرورق عيناك بالعبرات، فإن الجرعة غير كافية للشفاء، فالوصفة الجيدة: «وأرانا وقد تبسم برقاً.. فأريناه ديمةً هتّانةْ».
قد لا تكون هذه القصيدة مذكورة في أيّ من مناهج العالم العربي، ولكن المطلع مثال مهمّ، للتدليل على أن الترتيب الزمني قضية نسبية، فالبيئة من حيث النموذج الفكري (باراديجم)، والمحيط الأنثروبولوجي والسايكولوجي والمعجمي، جوّ جاهلي بينما المتنبي في القرن الرابع الهجري. هنا، مشكلة نوعية الخطاب التربوي عند تناول النص. ما هي الغاية التعليمية؟ يجب أن تكون واضحة في ذهن المدرّس.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإصرارية: لذلك، يصرّ القلم على أن تأهيل المدرسين هو أوّلاً، والمادّة الدراسية هي المحلّ الثاني.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"