عادي

قصيدة النثر..وداعاً

19:44 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

يؤكد الشاعر سمير الأمير عبر صفحات كتابه «شعر أو لا شعر.. مرتكزات اللغة والوجدان الشعبي والهوية» أن النقد لو عاد إلى وظيفته ودوره الرائد في حرث التربة وتهيئة المتلقي، لتعرف طلاب الجامعة، والمتعلمون عموماً، إلى أسماء مهمة لشعراء وروائيين وقصاصين، منهم من قضى نحبه، دون أن يضعه النقد في موضعه، الذي يستحقه، ومنهم من ينتظر لعل الزبد الطافح على السطح يذهب جفاء.

النقد - كما يرى الأمير- مشروع فكري وجمالي، يبحث في منابع ومرتكزات اللغة والهوية، ويهدف إلى تقييم الرؤى والأفكار، ووضعها في موضعها، حسب قربها وبعدها من النظرية الجمالية، التي تهدف إلى إعادة تشكيل رؤيتنا للعالم، وفق تلك النظرية التي تنشأ، نتيجة لشروط وظروف اجتماعية واقتصادية، موضوعية، كما حدث حين خرجت الرومانسية كرد فعل على الصخب والتلوث، اللذين صاحبا الثورة الصناعية، لكي تحاول أن تعيد الإنسان إلى حضن الطبيعة وإلى إنسانيته.

يتناول الكتاب أكثر من قضية، تخص الشعر في الأساس، منها «قصيدة النثر، التي أصبحت شكلاً نمطياً، مثلها مثل قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية، وهذا – كما يعتقد الأمير – يفقدها الكثير من مبررات وجودها»؛ إذ من المفترض أنها تشكل في الأساس ثورة على نمطية الشكل وتقليدية المضمون، لكن المرء إذا أمعن النظر في قصيدة النثر بتجلياتها الحالية، لا يملك إلا أن يقرر، أن معظم تلك القصائد، لا تدل على شاعرها؛ بل يبدو الأمر وكأن تلك القصائد كتبها شاعر واحد.

يؤكد الأمير في موضع آخر أن بعض الأسماء أفلتت من ذلك الإطار النمطي، ويرجع ذلك لامتلاكهم موهبة حقيقية، ولحبهم واحترامهم لكل تاريخ الشعر في هذا الوطن؛ لذا جاء نثرهم جميلاً، وتمردهم أجمل، لأنه لم يكن مفتعلاً.

يكتب الأمير تحت عنوان: نازك الملائكة.. ترى ما سر البدايات الكئيبة؟

من خلال قصيدتها «مأساة الحياة» التي كتبتها في سن الثانية والعشرين، والقصيدة تحتوي على نظرة تشاؤمية، حيال قضية الحياة.

وتعترف الشاعرة بتلك النظرة المتشائمة، وترجعها إلى إيمانها بكلمات الفيلسوف الألماني شوبنهاور: لست أدري لماذا نرفع الستار عن حياة جيدة كلما أسدل عن هزيمة وموت، لست أدري لماذا نخدع أنفسنا بهذه الزوبعة، التي تثور حول لا شيء.

يتابع الأمير دواوين الملائكة ليلتقط تأثيرات الشعر الإنجليزي عليها، خصوصاً شعراء الحركة الرومانسية، وهذا ما أدى إلى شيوع الروح الحزينة في قصائدها، ويصل الكاتب إلى عمق الأزمة الروحية، التي أنهكت نازك الملائكة، حين يقول: ربما ارتبط مفهوم كتابة الشعر عندها بالعبوس والجهامة، التي تجعلها شديدة الحزن، والتي قد تسهم في انصراف قطاع من محبي الشعر عن إعادة قراءة دواوينها الأولى.

ويكتب أيضاً عن الشاعر فاروق شوشة متسائلاً: لماذا لم يلتفت النقاد إلى أشعار فاروق شوشة؟ يرجع سمير الأمير ذلك إلى أن شوشة كان ينقصه هذا القدر من الأنانية، الذي يلزم الشاعر، ليجعله محتفياً بشعره، ومعتداً به، بالدرجة التي تجعل من حوله، يدركون أن تجاهل إنتاجه، قد يعيق أو يسبب المشكلات في التواصل الإنساني معه.

يوضح أن شوشة تميز بطغيان نبرة صوته الهادئة على كل ما يقرأه، في برنامجه الإذاعي الشهير «لغتنا الجميلة» لدرجة أنك كثيراً لم تكن لتميز بين طريقة قراءته للسيّاب أو صلاح عبد الصبور، وطريقة قراءته لأشعار امرئ القيس أو البحتري أو المعري، فهو بحر هادئ دائماً ينساب في دعة وطمأنينة عميقتين.

شوشة المذيع طغت شهرته على شوشة الشاعر، وهذا ما حدد رؤية الآخرين له، فمقتضيات العمل الوظيفي فرضت عليه ألا تكون رؤاه الفكرية والسياسية موضوعاً للنقاش العلني، ومن ثم نحت قصائده نفس المنحى في تناول الموضوعات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"