أزمات لبنان الديموغرافية

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.خليل حسين *

لطالما شكل العاملان الجغرافي والديموغرافي في الواقع اللبناني، أزمات لا تعد ولا تحصى، ومن أبسط القضايا العثور على أزمات معقدة ومتشابكة؛ حيث تختلط عناصر خارجية وداخلية، لتشكل مؤثرات قوية على واقع النظام المأزوم والمتخم أصلاً بأزمات ممتدة ومتواصلة منذ نشأته إلى يومنا هذا.
 وآخر إطلالات القضايا الديموغرافية، ما أثير حول النزوح واللجوء السوري في لبنان، الذي بات عبئاً ديموغرافياً بتأكيد رسمي مؤخراً عبر رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، الذي طلب من المجتمع الدولي، المساعدة على إعادة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة. ولم تقف هذه المطالبات عند هذا الحد، فقد طرح الأمر في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب التشاوري الذي عقد في لبنان الأسبوع الماضي، والذي لم يتوصل إلى حلول عملية قابلة للتنفيد، ملمحاً إلى صعوبة الأمر في هذه الظروف.
 في واقع الأمر، ثمة مشكلة حقيقية يمر فيها لبنان حالياً، وهي الضغوط الناشئة عن النزوح السوري، الذي بات يشكل تحدياً له صلة بالعديد من الأوجه الاقتصادية والاجتماعية وصولاً إلى الطبيعة الديموغرافية التي يعيشها لبنان. 
 ومسألة النزوح السوري في لبنان لها أوجه كثيرة بعضها يصعب حلها، وبالأخص القضية ذات الصلة بالأعداد وبطبيعة تواجدها في مختلف المناطق. فحتى الآن لا توجد أرقام دقيقة متفق عليها رسمياً عبر الأمم المتحدة أو السلطات اللبنانية المختصة بذلك، علاوة على دوام الدخول والخروج من لبنان وإليه؛ حيث يصعب حصر الأعداد بدقة، لكي تتم متابعتها، وإيجاد حلول لها. 
 فلا المؤسسات الدولية مهتمة بشكل فعلي في البحث عن وسائل مناسبة للإعادة، ولا لجهة متابعة متطلبات الوجود التي باتت ذات كلف باهظة جداً على الواقع اللبناني المأزوم في الأساس.
 وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية دقيقة، ثمة معلومات متقاطعة مع العديد من المصادر ذات الثقة، أن الأعداد تجاوزت بمجملها ثلث عدد الشعب اللبناني، وثمة من يقول إنه وصل إلى النصف، وهي معضلة كبيرة من الصعب على لبنان هضمها والقبول بها تحت أي ظرف من الظروف.
 فالواقع الديموغرافي يعاني اختلالاً وتشوهات كثيرة لجهة التوزع البشري أو الطائفي أو المذهبي، علاوة على الأثر المتصل بالوجود الفلسطيني منذ عام 1948 إضافة إلى الهجرات المتتالية بعد عام 1969 وصولاً إلى نتائج الأزمة السورية ونزوح الكثير من الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان.
 والأمر الذي زاد الطين بلة، الجانب الاقتصادي من القضية؛ حيث يعاني لبنان أسوأ ظروف اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث والمعاصر؛ إذ بات الضغط على الخدمات التي تؤمنها المرافق والمؤسسات الرسمية اللبنانية بمستويات عالية وضخمة جداً في ظل شح المساعدات الدولية، وعدم قدرة لبنان بطبيعة الحال على تحمل هذا الاستنزاف المتزايد الذي يعاني أصلاً مصاعب كثيرة جداً وبخاصة بعد عام 2019.
 في المحصلة، أن الواقع السكاني والديموغرافي الذي يعانيه لبنان سابقاً وحالياً، له صلة بالكيان وطبيعة تركيبته الحساسة، والتي كانت في الأساس أحد مسببات الانقسام العمودي الحاد في الحياة السياسية اللبنانية، والتي كانت سبباً مباشراً في النزاعات والحروب الأهلية المتواصة، وتأتي الظروف الاقتصادية الحالية، لتعيد صياغة المشكلة من زاوية المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية للبنان، وهي مساعدات زهيدة جداً، في ظل ضغط اجتماعي اقتصادي هائل.
 ما أثير في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأسبوع الماضي، يشي بصورة قاتمة بالواقع الحالي؛ حيث لا مقترحات إجرائية قابلة للتنفيذ، ولا حتى تصورات للمستقبل القريب أو البعيد، وبذلك ثمة مشكلة قائمة ستزداد تداعياتها وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، وثمة من يضيف إليها أيضاً تداعيات أمنية، وهي المشكلة الأكثر حساسية وتأثيراً في الواقع اللبناني الذي بالتأكيد لا ينقصه المزيد من المآسي.

* رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"