الطبقات والاستقرار السياسي

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

في مواجهة الأزمات الاقتصادية المستجدّة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، أقرّت بعض الحكومات برامج لمساعدة الشركات في عموم القطاعات، وأخرى لدعم الفئات الأفقر في المجتمع، لمواجهة ارتفاع مستوى التضخم، الذي يحدّ من القدرة الشرائية للمواطنين، والهدف الرئيسي وراء هذه الخطط الحفاظ على مستوى من التوازن في مواجهة المخاطر الاقتصادية والمعيشية، والتقليل ما أمكن من ردود الفعل التي قد تخلّ بالاستقرار عموماً، والاستقرار السياسي بشكل خاص.

 هذا التوجّه تقوم به دول لديها إمكانات اقتصادية ووفرة مالية، تجعلها قادرة على الإنفاق في اتجاهين، الأول لمنع إغلاق المصانع والشركات، التي توظّف أعداداً كبيرة من العمال، بحيث تستمر دورة الإنتاج في عملها، مع أقل الخسائر الممكنة، والاتجاه الثاني لتخفيف الاحتقان عند أصحاب الدخل المحدود، أو الذين يعيشون على المساعدات الاجتماعية، وهو النظام المعمول به في معظم دول الاتحاد الأوروبي، ومن شأن هذا الإنفاق ضخ سيولة مالية في الأسواق، تبقي سياق الحياة المعيشية معقولاً ومحتملاً، بانتظار تجاوز الأزمة الراهنة، أو حتى الخروج منها بفرص جديدة، كما تطمح العديد من الحكومات، مثل الاستقلال في مجال الطاقة.

  هذا المستوى من تدبّر شؤون الحكم هو تدبّر عقلاني، إذ إنه يقيس المخاطر وفق مؤشرات محدّدة، ويرسم سيناريوهات حدوثها، ويحاول أن يواجهها، ويقلّل من فعاليتها، بل يسعى أيضاً لتحويل المخاطر القائمة إلى فرص محتملة وممكنة، لكن الأساس في ذلك هو أن هذه الطريقة في إدارة المخاطر والأزمات، تولي أهمية كبيرة وحاسمة لعلاقة الاستقرار الاجتماعي والسياسي بالطبقات، حيث أن أي إخلال بمستويات التوازن الاجتماعي/ المعيشي، قد يكون مقدمة لسلسلة من الأزمات الاجتماعية، التي ستتحول، وربما سريعاً إلى أزمة سياسية.

  في هذه الآلية السياسية/ الحكومية، يبدو حضور الأيديولوجيا مدروساً ومقنّناً، كما تختفي أو تخفت النبرة الخطابية لدى المسؤولين، ولا حضوراً قوياً للشعارات الوطنية، أو لخطاب المؤامرة، فالمستوى العقلاني الذي تحضر به القرارات السياسية، يمر عبر مؤسسات تمثيلية، وتخضع قبل إقرارها لنقاشات في البرلمان من أجل الموافقة عليها، وبالتالي جعل المسؤولية عنها مسؤولية عامة، كما أن نجاحها لا ينسب لشخص محدد، بل إن فشلها قد يقود إلى معاقبة الأحزاب في الانتخابات المقبلة، وحرمانها من تحقيق نسبة حضور وازنة في البرلمان.

  وإذا كانت العقلانية سمة من سمات الدول الحديثة وأنظمتها السياسية الديمقراطية، فإن بعض الدول التي لا تتمتّع بنظام ديمقراطي، أو حتى يحكمها الحزب الواحد، مثل الصين، تأخذ في الحسبان قضايا التوازن الطبقي وعلاقتها بالاستقرار السياسي، انطلاقاً من مصلحتها بألا يتعرض نظام الحكم لهزّات اجتماعية، قد تؤدي إلى صدام، من المحتمل أن تفضي نتائجه إلى نشوء أوضاع جديدة، تسمح بصعود قوى اجتماعية مغايرة لها إلى السلطة.

  في مستوى آخر، توجد الكثير من الأنظمة السياسية، التي تهاوت فيها العقلانية بأشكالها المختلفة، فعدا عن كونها تهرب إلى الأمام، لتجاوز حاجات المجتمع إلى التغيير الديمقراطي، حتى بنسخته المتدرجة، فإنها أيضاً لم تعد تعر اهتماماً بالمحافظة على وجود توازن طبقي في المجتمع، بل إنها تمعن بترك كل الأوضاع التي توسّع الهوّة الطبقية قائمة، وتسهم في مضاعفتها مرات ومرات، ومن نتائج ذلك تقلّص حضور الطبقة الوسطى، وتوسيع مساحة الطبقات الفقيرة.

  وليس من قبيل المبالغة القول إن التوازن الطبقي في المجتمع هو صمّام الأمان، خصوصاً الطبقة الوسطى، والتي يعدّ توسع مساحتها وحضورها في المجتمع علامة صحة من جوانب عديدة، بما فيها الجانب السياسي، أما حدوث العكس فهو مؤشر على تدهور عام في الدولة والمجتمع، ومقدمة لحدوث اضطرابات متعددة، لن يكون هناك أي مهرب من مواجهتها مهما تأخر ظهورها، فالمشروعية الأكبر لأي نظام سياسي تأتي من حالة التوازن الاجتماعي، تحديداً في صيعته الطبقية.

  إن جزءاً وازناً من الأسباب التي دفعت إلى الاحتجاجات التي عرفتها بعض دول المنطقة، قبل عقد من الزمن، مرتبط بقوة بعدم قدرة الأنظمة على الحفاظ على مستوى مقبول من التوازن بين الطبقات، كما أن فشل بناء الدول، أو الاتفاق على شكل النظام السياسي، هما سببان رئيسيان لانهيار الأوضاع الاقتصادية والطبقية والاجتماعية، وهو ما يحدث في العراق ولبنان، على سبيل المثال لا الحصر، ففي هذين النموذجين، لم تعد الطبقة السياسية معنية بالمعادلات الاجتماعية، بقدر ما هي معنية بمواقعها ومكتسباتها، في الوقت الذي يصبح الفقر هو الظاهرة الأكثر بروزاً وتأثيراً في ديناميات المجتمع، وهي الوصفة المثالية لمجتمعات منفجرة دائماً، أو على وشك الانفجار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"